18 ديسمبر، 2024 7:55 م

التنويم المغناطيسي الجماعي

التنويم المغناطيسي الجماعي

يقصد بالتنويم المغناطيسي الذاتي أو الايحائي، وهو خطوات محددة يقوم بها المعالج للمريض حتى يصل إلى مرحلة معينة ويمكن برمجة الدماغ فيها .
وفي تعبيرنا الرائج (العامي) نقول ان فلان منوم مغناطيسياً، أي انه فاقد للإدراك ولا يعي ما يدور حوله، (مغيب عن الواقع) وكثيراً ما تتهم شعوب العالم الثالث انها شعوب نائمة في العسل، مخدرة وفي سبات مستمر، لا تعلم ولا تكلف نفسها عناء القلق من المستقبل !
مسلمة بشكل بديهي بنظرية المؤامرة، ورغم ذلك لا تحرك ساكناً للدفاع عن نفسها.
هذا مايجعل منها أرض خصبة لألتهام الأخضر واليابس من أخر صرعات الموضة، من المأكل والمشرب والملبوس والمستهلك، وهذا جّل ما تحلم به الدول المنتجة والمصنعة لتلك البضائع، وهو الحفاظ على أسواق جائعة لما تنتج وتصدر.
ولم يقف الصراع الاقتصادي إلى هذا الحد، بل تجاوز الأمر إلى اختلاق الحروب والأزمات من أجل تصريف البضاعة العسكرية، ولا نقصد ب(البضاعة العسكرية) البارود فقط، بل وحتى تصدير وتسويق النظريات والايدلوجيات الأمنية والعسكرية والحربية التي تريد ان ترسخها تلك الدول المنتجة للأزمات في الذهنية المستهلكة و بما يخدم السوق لديها ، ومؤشرات العرض والطلب.
ان مدى استجابة الجسد الغارق بغيبوبة منذ فترة طويلة، للصدمة هي مقياس لحيوية ذلك الجسد، فمتى ما استجاب ذلك الجسد بصورة كبيرة، قيل عنه انه مازال حياً يرزق، والعكس بالعكس.
لقد كان يفهم من الوضع العام العراقي، ما قبل الاحتلال وما بعده وما جرى انه اشبه بجسد ميت سريرياً، فهو لم يقاوم الدبابة من جهة، ولم يعترض عليها عندما قطعت الطريق!
أما ما تلتها من سلسلة احداث ومن توالي حكومات وصراعات سياسية، وأنفجارات أستقبلها وكأنها مفرقعات وألعاب نارية، لم تشهد الساحة العراقية أي مظاهرة تنظمها الناس والجماهير المفترض انها تكون غاضبة ورافضة لما يجري، حتى ولو بشكل عفوي بل العكس لم يحرك الشعب ساكناً، ولم يبدو عليه الاعتراض أبداً، ان كل المؤشرات للشعوب الواعية والمدركة عند وضع سلوك المجتمع العراقي في ميزانها، تجد انه شعب ومجتمع قد مات بشكل بطئ، وفقد كل علامات الحياة، ولن تقوم له قائمة.
الا ان الفتوى المرجعية جاءت لتقلب الموازين، وتغير السيناريو المعد مسبقاً !
فكانت اشبه بصدمة للجميع، وصعقة كهربائية للجسد الخامل، فهزته من الأعماق وجعلته يهرول بهمة ونشاط، كأنها معجزة
خطورة وحساسية الفتوى لا تقتصر في كونها نداء استغاثة أطلقته المرجعية، بل يعد درس عملي اذ خلقت حالة من التآخي لا يمكن ان توجد لو لا تلك الأجواء الضاغطة، اذ كشفت عن القوة الكامنة في ابناء هذا المجتمع، فعنفوان اندفاع الناس للألتحاق مع صفوف الجيش للدفاع عن الوطن، خير دليل ان هذا الشعب لم يمت بعد ومازال ينبض بالحياة، وبتلك الروحية العالية والإيمان المطلق، تحقق النصر وسحق الاعداء٠
أما اليوم عندما تستذكر المرجعية تلك الفتوة في ذكراها الخامسة في خطابها الأخير، فهي تريد ان تقول، لقد كنتم اموات ولقمة سائغة لذئاب المنطقة، ولو لا التكاتف والتعاون والتآخي فيما بينكم لكان الأمر غير الأمر، وأطلقت المرجعية صفارات تحذيرية من العودة لحالة الموت السريري، اذا استمر الصراع والنزاع السياسي حول المغانم مرة أخرى، فبعد ان تحقق النصر وتم القضاء على الإرهاب وزال الخطر، عادت الأصوات للتعالي من جديد، وهو ماء عكر ينتظر من يتصيد به!
ان خطاب المرجعية هذه المرة توبيخي اكثر من كونه توجيهي، فهي تشدد وتؤكد على المحافظة على تلك الروحية المتألفة المتحابة (وقت الشدة) حتى وان كانوا الان آمنين مطمئنين، وان يتركوا نزاع المكتسبات جانباً٠
ان المرجعية الدينية بوصفها جهة ذات سلطة معنوية، لا تملك صلاحية قانونية تُلزم بها، الا انها تملك قوة تاثير تعد أقوى من قوة القانون، والدليل المرجعية بفتواها، حمت القانون وأرست النظام، فهي تملك هالة من القدسية، تستمد منها الشرعية، ومن هنا يحاول البعض ضرب تلك القداسة، لتصبح المرجعية كأي جهة يسهل التطاول على مقامها، والنيل منها٠
عندما تضرب مقدسات مجتمع ما، يصبح اكثر هشاشة وضعفاً ولا يملك خطوط دفاعية، ولا معايير اخلاقية يستند اليها، بهذا يكون مجموعة من البشر منومة مغناطيسية تتخبط فيما بينها٠