30 سبتمبر 2025 12:32 م

التنمية المستحيلة في دولة الميليشيات

التنمية المستحيلة في دولة الميليشيات

منذ أن تحولت بعض الدول العربية مثل (لبنان، اليمن، العراق، سوريا، ليبيا، السودان) إلى ساحات نفوذ للميليشيات، دخلت مشاريع التنمية في مأزق عميق، لأنها فقدت البيئة الطبيعية التي تُبنى فيها. فالتنمية ليست مجرد طرق أو أبنية إسمنتية، بل هي رؤية متكاملة للدولة والمجتمع تقوم على القانون، العدالة، الاستقرار، والتخطيط العلمي. أما في دولة الميليشيات، فإن كل ذلك يغدو مجرد أوهام. فلا تنمية بلا دولة قوية تحتكر السلاح وتفرض القانون. عندما نتحدث عن “التنمية المستحيلة في دولة الميليشيات”، لابد أن نقرأها من عدة زوايا:

 

1. في ظل الميليشيات يصبح القرار السياسي رهينة السلاح والولاءات الضيقة، بينما يُهمّش دور المؤسسات الرسمية، فتتعطل مشاريع التنمية أو تُختزل في مبادرات شكلية لا تُحقق أي استدامة.

 

2. الميليشيات لا تعيش من فراغ، بل تستولي على مصادر الثروة الوطنية، المنافذ الحدودية، النفط، العقارات، الاستثمارات، عمليات التهريب. وبدل أن تذهب هذه الموارد لبناء المدارس والمستشفيات وتطوير البنية التحتية، تُهدر في تمويل أنشطة عسكرية أو في حسابات خاصة لأمراء الحرب. هنا يصبح الاقتصاد اقتصاد ظلّ لا يعرف الشفافية ولا يخدم سوى دوائر ضيقة.

 

3. التنمية تحتاج إلى استقرار سياسي وأمني وقضائي، وهو ما يتناقض مع منطق الميليشيات. فوجود جماعات مسلحة موازية للدولة يخلق مناخاً من الخوف وانعدام اليقين، فلا المستثمر المحلي يغامر بأمواله، ولا الشركات الأجنبية تقترب من بيئة يسودها الابتزاز والتهديد.

 

4. الميليشيات تقوم على أسس طائفية أو جهوية، وبالتالي فهي توزع الثروات والخدمات وفقاً لمعادلة الولاء، لا وفقاً لمعيار المواطنة. وبذلك، تتحول التنمية إلى ريع انتقائي يخدم بيئات محددة، بينما تعاني بقية الشرائح من التهميش والفقر والبطالة.

 

5. تحاول دولة الميليشيات أن تُظهر نفسها عبر مشاريع إنشائية متفرقة، لكنها تفتقد الرؤية والعمق. غالباً ما تكون هذه المشاريع مجرد دعاية انتخابية أو غطاء لإخفاء الفساد، فهي غير مستدامة، هشة، ولا ترتبط بخطط وطنية حقيقية.

 

6. التنمية تبني على التعليم، البحث العلمي، والاقتصاد المنتج، بينما الميليشيات تفرض ثقافة بديلة تقوم على الطائفية والعنصرية، والسلاح، والعنف، والموت. فتُستنزف الموارد البشرية والمادية في الصراعات المسلحة، على حساب بناء الإنسان والمجتمع.

 

7. في دولة الميليشيات لا يمكن الحديث عن “تنمية حقيقية”، بل عن إعاقات منهجية للتنمية. التنمية فيها مشوّهة، مُجزّأة، مؤدلجة، وتُختزل غالبًا في مشاريع دعائية أو استهلاكية.

 

التنمية الحقيقية لا تبدأ إلا بوجود دولة المواطنة المدنية القوية، تحتكر السلاح، وتحكم بالقانون وتعيد بناء مؤسساتها على أساس القانون والعدالة والشفافية. وتوزع الثروات بعدالة، وتخطط للمستقبل برؤية استراتيجية، أما بقاء الميليشيات، فيعني بقاء التنمية رهينة، مشوّهة، ومستحيلة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات