23 ديسمبر، 2024 2:24 م

التنمية الصناعية هل تقوم على حساب المستهلك؟

التنمية الصناعية هل تقوم على حساب المستهلك؟

كنّا قد أدلينا بدلونا وأبدينا رأينا بخصوص قانون الضرائب والتعرفة الجمركية الجديدة، حيث طرحنا بعض الملاحظات على صفحات هذه الجريدة الغراء في عمود صحفي تحت عنوان “يا فتاح.. يا عليم”، وقلنا فيما قلناه انه بمجرد تسريب خبر التفكير بالعمل في نظام التعرفة الجمركية دخل التجار الجشعون حالة الانذار والاستنفار وبدؤوا برفع اسعار السلع والمواد والاغذية واللوازم المستوردة بنفس النسبة المفترضة والتي ما زالت حبرا على ورقة وهي20%.
وقلنا ان تطبيق هذه التعرفة وبهذه النسبة وفي هذه الظروف سيعيد العراقيين الى حالة الحرمان التي عانوها في السنين المنصرمة، حيث كانت العوائل تشترك بثلاجة واحدة وتلفزيون واحد ومجمدة واحدة ان وجدت، وبعضها محروم من ابسط السلع بل من اكثرها احتياجا، وكان الحاسوب والستلايت حلما للبطرين، والسيارة خيالا للمجانين والغسالة ترفا”للمسعدات”. ونبهنا الى مسألة استشراء الفساد المالي والاداري وانشغال الحكومة بترتيب الاوضاع الامنية ومعالجة  القوانين الضرورية والميزانية العمومية  ومعالجة الازمات الخدمية، وصعوبة السطرة على الحدود وعدم ضبط المنافذ الجمركية ما يعني قلة المردود المالي من هذه الخطوة “ان وجد” كما ان غياب الدور الرقابي للسيطرة النوعية سيسمح بدخول السلع الرديئة نفسها ومن نفس المناشئ. وبأسعار مضاعفة وفوق هذا و ذاك فأن وضع هذه التعرفة سيقلل من فرص دخول المستثمرين الى العراق والذي هو احوج ما يكون الى قيام مشاريع استثمارية تعيد الاعمار، وتحل الازمات وتنعش الاقتصاد.
قد تكون الفائدة الوحيدة المرجوة والمفترضة من الضرائب قيام صناعة وطنية لكن هذا يحتاج الى سنين يكون المستهلك البسيط المحروم والمحدود الدخل الضحية الاولى والاخيرة والمغضوب عليه حتى يلاقي ربه.
وقد سررنا كثيرا بقناعة وزارة المالية بضرورة تاجيل العمل بقانون التعرفة الجمركية الجديدة وطلبها من مجلس النواب البت بذلك التأجيل قد يكون شهورا او سنة وبعدها يحلها حلال. قناعة الدوائر المالية جاءت على خلفيات ردة الفعل الجماهيرية والاعلامية، وضرورة اطلاع التجار ورجال الاعمال والمستوردين ومعرفتهم الكافية بتفاصيل القانون وكيفية تنفيذ العملية الجديدة يرون فيه توازنا وانصافا لجميع شرائح المجتمع حيث تراوحت نسبة الضريبة بين 5% و 100% مع الاخذ بعين الاعتبار السلع الاستهلاكية الضرورية والادوية.
تأتي اسلحة الصيد في مقدمتها والمشروبات الروحية والكحول ثم السكائر وبعدها محصول البصل والطماطة، على ان اولئك المشرعين اكدوا على” ضرورة توازن خطوات العمل بهذا القانون بحيث تكون متساوية ومتوازنة فيما يتعلق بحماية المنتج المحلي و العمل على تشجيع الصناعة المحلية من خلال توفير البنى التحتية الملائمة للنهوض بالقطاعين الصناعي والزراعي بخطى مدروسة تجنبا للوقوع بمشاكل”.
ويبدو ان التنمية الصناعية لاتقوم الاّ على حساب المستهلك فاذا صممت الحكومة على القيام بنهضة تنموية صناعية وزراعية فيجب ان تبادر اولاً الى تحسين الظروف المعاشية والخدمية للمواطنين وذلك بالقضاء على ازمات السكن والبطالة والطاقة وتوفير الحاجات الاساسية، ورعاية الارامل والايتام والمعوزين قبل الشروع بتنفيذ قرارات تخلف مردودات سلبية ولا تعود بالفوائد المرجوة على صعيد المردود المالي او قيام نهضة صناعية وزراعية وطنية. وهذا هو الاسلوب الأمثل والطريق القويم الذي اتبعته وسلكته الدول التي حققت طفرات تنموية على كافة الصعد وبزمن قياسي. فالشركات اليابانية الصناعية والزراعية و الخدمية والسياحية التي صار انتاجها لا يضاهى وبأسعار تنافس المنتوج الغربي هيأت لعمالها و موظفيها وخبرائها مساكن لائقة قرب محل عملهم، ومستشفيات مجانية متطورة، واسواق مدعومة وحضانات ورياض اطفال ومدارس وجامعات نموذجية، ووسائل ترفيه متنوعة. ثم تبعتها الصين وكوريا وماليزيا والتي تحولت الى دول صناعية ذات اقتصاد متين خلال عقدين او ثلاثة عقود من الزمن بفضل السياسات الاقتصادية الناجحة المستفيدة من تجارب الشعوب المثابرة.