المقدمة:
ان مشروع التنمية السياسية لا يختلف كثيرا عن بقية مشاريع التنمية الاخرى سوى انه مشروع سياسي بحت لكنه ايضا يبقى عنصرا من عناصر تكريس التبعية لدول العالم الثالث الذي اريد لها ان تبقى دائما متخلفة تسير في ذيل وركب الحضارة الغربية دون ان يسمح لها بالتطور واللحاق الفعلي بدول الغرب .
وقد كانت الدراسات تنصب قبل الستينات من القرن الماضي على النمو الاجتماعي والاقتصادي وتأثيراته السياسية, وعبر ذلك تعالج الاسس الاجتماعية والاقتصادية للنظام السياسي والطريق التي يتحكم بها النمو الاجتماعي والاقتصادي , لإيصال الدولة الى الديمقراطية اللبرالية ذات النمط الغربي , ولكن بعد ذلك التاريخ اي منذ بداية الستينات اخذت الدراسات تتجه الى التأكيد على التنمية السياسية, وعلى الجانب السياسي الخاص للتنمية ولم يعد البحث فقط ينصب على الوسط الاجتماعي – الاقتصادي للنظام السياسي, وانما يتركز على النظام السياسي نفسه , بهدف بيان تحولاته المتوالية , وكانت الفكرة الرئيسية هي , ان النظام السياسي يتطور ويتحول ويتكامل كما هو شان النظام الاقتصادي , وبعباره اخرى انه توجد فيما وراء عملية التنمية الاجتماعية –الاقتصادية وما تشمل عليها عملية اخر ى معقدة هي التنمية السياسية , التي تهدف الى نقل النظم السياسية التقليدية الى نظم سياسية حديثة.( [1])
وقد يشار الى ان التنمية السياسية ما هي الا عملية بناء المؤسسات وتنمية المواطن , وان التعبئة والمشاركة الجماهيرية اساسية للديمقراطية والنظام العام. وقد تميزت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، من بين أشياء عديدة ، بسمتين بارزتين.
الأولى: تصاعد حركات التحرر الوطني واستقلال عدد كبير من البلدان التي شكلت ما عرف لاحقا بدول العالم الثالث أو الدول النامية،
والسمة الثانية: هي انقسام العالم إلى معسكرين، أحدهما اشتراكي بزعامة الاتحاد السوفيتي، والآخر رأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وتصارع المعسكران من أجل ضم اكبر عدد من الدول النامية تحت دفتيهما. في الوقت نفسه أدركت البلدان النامية حقيقة أوضاعها المتخلفة وضرورة مواجهة تحدي التنمية وتقليص الفارق بينها وبين البلدان المتقدمة في شتى المجالات. وبالنظر إلى ضخامة الإمكانيات اللازمة لتحقيق التنمية في هذه البلدان اتضح بسرعة انها بحاجة إلى مساعدة الدول التي سبقتها في التقدم والقوة وعلى رأسها الولايات المتحدة وأوروبا والاتحاد السوفيتي. في هذا السياق الدولي بدأ اهتمام علماء الاقتصاد والسياسة بتطور العالم الثالث وظهرت الدراسات والأبحاث والنظريات عن التنمية الاقتصادية في وقت مبكر، وسرعان ما تبين أن التنمية الاقتصادية ينبغي أن تشمل الجانبين الاجتماعي والسياسي معًا، مع اصرار القطبين العالمين الاميركي والسوفيتي على تصدير نموذجهما السياسي الى الدول النامية. وهكذا، على غرار التنمية الاقتصادية، ظهر مفهوم “التنمية السياسية” وصارت أبحاث التنمية السياسية ونظرياتها حقلا من حقول علم السياسة. ان التنمية السياسية مفهوم شديد الغموض لأكثر من سبب. أولا لأنه كثيرا ما يقع الخلط بينه وبين مفاهيم أخرى قريبة منه او قد تكون مرادفة له مثل التحديث السياسي، والانفتاح السياسي، والإصلاح السياسي، والانتقال السياسي، والديموقراطية.
وثانيا لأنه يضم مفاهيم فرعية غامضة بدورها، مفاهيم سياسية وإيديولوجية وأخلاقية وفلسفية غير قابلة للقياس الدقيق والملاحظة العلمية، مثل العدل والمساواة والقدرة وغيرها.
السبب الثالث، وفيه يتجلى غموض المفهوم أكثر من غيره، هو تعدد التعاريف التي وضعت للتنمية السياسية واختلافها، وجزئيتها أحيانا وعموميتها وتجريدها في أحيان أخرى.
ظهرت تعاريف عدة لمفهوم التنمية السياسية ؛ الاولى من هذه الظواهر من ركز على العلاقات الاجتماعية والروابط السياسية في المجتمع، والعلاقات بين الناس والعلاقات بين المؤسسات الحكومية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والعلاقات بين هذه وأولئك. والثانية من كان يركز على بنية الأجهزة والهياكل السياسية وطبيعتها ومكانتها ودورها في الدولة،اما الثالثة وهي التي اهتمت خاصة بقدرات النظام السياسي وفعالية الأداء الحكومي واول عنايتها باستقرار النظام السياسي وشرعيته في المجتمع.
كما أن مفهوم التنمية السياسية يقاس بالعديد من المظاهر والمؤشرات بدءاً ببناء مؤسسات الدولة الحديثة ونظام الفصل بين السلطات والمشاركة في مختلف مستويات التنظيم الاجتماعي والسياسي ‘المشاركة في صنع القرار ‘ والذي يعتبر من أهم المؤشرات للتنمية السياسية، كذلك خلق جهاز قادر على تنفيذ السياسات الإنمائية وممارسة الحق في التصويت والترشيح للمناصب العامة وسيادة القانون وحرية الأحزاب وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني، فالمطلوب ونحن مجتمع ديمقراطي أن نتمثل التنمية السياسية فهماً وممارسة فالمجتمعات التي تعيش مظاهر التنمية السياسية هي مجتمعات ديمقراطية.
بما ان التنمية السياسية عملية تغير اجتماعي متعدد الجوانب تتضمن
الاهداف التالية:
1-التعددية من اجل تحقيق النمو الاقتصادي والمنافسة السياسية والمشاركة الانتخابية على قاعدة ترسيخ مفاهيم الوطنية والسيادة والولاء للوطن والدولة , ضمن معايير اولها تحديد هوية المجتمع بحيث يكون مجتمعا سياسيا متماسكا تحكمه هوية مشتركة وانتماء وطني سياسي وثقافة سياسية تستوعب كل الاطراف داخل الوطن .
2–تحقيق الشرعية بحيث يكون المجتمع متآلفا ومنسجما مع النظام في بناء الدولة العصرية التي تعزز الولاء للوطن وتقديم اقصى ما يمكن من الخدمات لشعبها , وعلى ان يحقق هذا النظام العدالة في توزيع الادوار والمكاسب بين كل شركاء الوطن بلا محاباة ومحسوبية وتفضيل طرف على طرف اخر.
3-المشاركة السياسية الفاعلة بحيث يعمل النظام السياسي على تحقيق المشاركة لكل اطياف المجتمع من خلال القنوات المناسبة , وان تكون المشاركة في الحياة السياسية بصورة مستمرة غير متقطعة , وعلى ان تكون هذه المشاركة مجدية يشعر فيها المواطن بمواطنته كونه جزءا اساسيا فاعلا في مجتمعه وفي البناء السياسي لبلده.
4– التوزيع العادل للمزايا والمكاسب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتساوي في لحقوق والواجبات بين افراد المجتمع كمحصلة نهائية لعملية المشاركة الواسعة.
5-ويؤكد أساتذة العلوم السياسية على أن الهدف من التنمية السياسية هو المساواة في الحقوق والواجبات، على أساس أن يتعرف المواطن على حقوقه وواجباته الدستورية كي يشارك مشاركة فعالة وإيجابية في الحياة السياسية. كما أن للتنمية السياسية عدة دلالات منها مدلول قانوني سياسي يتمثل بسيادة القواعد القانونية، ومدلول اقتصادي سياسي يتمثل بتحقيق العدالة بإشباع الحاجات المادية للمواطنين، ومدلول إداري سياسي يتمثل بالقدرة على أداء الأدوار والوظائف في شتى الميادين، واجتماعي سياسي يتمثل بوجود مجتمع سياسي وثقافة سياسية معينة.([2] )
يمكن عد الخيار الاساسي للتنمية السياسية يتجسد في مشكلة الديمقراطية السياسية والتي يراد منها الاصلاح السياسي, وهذا راجع الى ان التنمية هي في حقيقة جوهرها تخطيط, والتخطيط هو بدوره اراده سياسية ينبع من مفهوم الاختيار من جانب , والفاعلية النظامية من جانب اخر.
ولكي نتحقق من ان عملية التنمية السياسية اعطت مردودها الفعلي في المفهوم والتطبيق ينبغي عليها ان تهتم بإشباع الحاجات الإنسانية للمجتمع وذلك من خلال المشاركة الفعلية لعموم الشعب بغض النطر عن الانتماء الطائفي او العرقي او الحزبي لكي يشعر المواطن بمواطنيته في مشاركته بصنع القرار السياسي للدوله‘ونجاح عملية التنمية السياسية واستمرارها وتواصلها يتوقف على التغيرات الجوهرية في الهياكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والمستندة على الاسس التي تشرع للعمل السياسي وتوفير المناخات الملائمة له والمشجع على الانخراط فيه لجميع افراد المجتمع وبلا استثناء من خلال سيادة القانون واحترام النظام السياسي وحقوق الانسان حرية المرآه ومساواتها بالرجل ‘ الانتماء وحرية الراي وحرية التعبير وحرية الاحزاب لا على اساس التحجر والاحتكار الوطني والحزبي والسياسي لفئات معينه من المجتمع ‘فتأسيس الاحزاب السياسية والنقابات والمنظمات المهنية والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني والتي تؤسس ضمن تشريعات وقوانين صادره من اعلى مؤسسه تشريعيه في الدولة وهي المسؤولة عن رعايتها وتشجيعها والاشراف عليها وهي بالتالي خلق للتعددية السياسية والحزبية والتي تفضي الى البناء السياسي الرصين للدولة ولهيكليتها بكل مؤسساتها وتفرعاتها وعلى اسس عصرية حديثه ‘وهي من اهم المؤشرات للتنمية السياسية‘
المصادر:
[1] (صادق الاسود, علم الاجتماع السياسي, اسسه وابعاده, دار الحكم للطباعه والنشر , بغداد,1991 :271
[1] (توني سميث,التنميه السياسيه والسياسه المقارن, منشورات جامعة قار يونس ,بنغازي, ليبيا,1998:321
[1] رياض حمدوش ,مرجع سابق ص11
(عبد الحليم الزيات, مصدر سابق ص 140[1] نزار شموط, وكالة سرايا االاخباريه,مفهوم التنميه السياسيه,
www.srayanews.com
[1]علي عباس, المجتمع المدني والديمقراطيه , المؤسسه الجامعيه للدراسات والنشر والتزيع, بيروت,2009:19
[1](صاموئيل هينكتون , تطور دراسات التغير والتديث والتنميه السياسيه, مصدر سابق ص170