23 ديسمبر، 2024 11:34 ص

التناقضات.. وديمومة الحياة

التناقضات.. وديمومة الحياة

ينظر إلى التناقضات التي تلف حياتنا بمنظور سلبي، وربما تصنف على انها احدى سبل الصراع ومن مسبباته، ولعل جانباً منها يصدق عليه هذا القول.

ولكني افكر من ناحية اخرى، فاجد أن هذه التناقضات يمكن أن تعدّ وسيلة لديمومة واستمرار الحياة التي لا يمكن أن تستقيم على نسق واحد، او مسار ثابت دون صعود وهبوط، وتقدم وتراجع، وانتصار وانكسار.

ونحن البشر جبلنا على الاحساس بالنقص وربما الانزعاج منه، دون النظر إلى ما بأيدينا من نعم الله علينا، وقديماً كان علماؤنا يعالجون الغم بالغم، فيدفع بالغم الاكبر نظيره الأصغر الذي قد يبتلى به المرء بحكم طبيعة حياتنا.

وهكذا ربما يصح القول ان البحث عن السعادة المطلقة وسيلة لحراك المجتمع، وهي التي تساعد على استمرارية عجلة التدافع بين الخير والشر، ويستخلص منه أصحاب المبدأ الثابت والإيمان العميق!

وفي تاريخنا يمكن النظر كذلك إلى هذه الجزئية في ناحية تعدد الشكل السياسي وتقاطعه في كثير من الاحيان، مما كان يمثل صورة من صور النزاع الداخلي المقيت الذي يضعف الأمة، ولكنه ـ إذا وسعنا دائرة النظر ــ كان سبباً لامتداد الوجود الإسلامي على رقعة شاسعة لم يعد من السهولة حكمها من جهة واحدة، ناهيك عن عملية استبدال القوى التي انتهت صلاحيتها بأخرى فتية وتنتمي إلى ذات الدائرة الإسلامية الواسعة، وان اختلفت في تفاصيلها الداخلية فكرياً او انتماءً في كثير من الأحيان.

ان الصراع الداخلي كان في شكل منه عملية ولادة جديدة لفكرة ومنظومة أكثر قوة وحداثة، وهو لا يعني الاستغناء عن الفعل الاستراتيجي الذي يبقى هو الاصل، مثلما لا يمكننا تجاوز القناعة بأن لعبة التناقضات ثمرتها دوماً آنية ونهايتها سريعة، حتى وان كانت السرعة هذا تمتد لعقد واحد أو اكثر، ما لم يتم تدعيمها بالأفق الاستراتيجي بعيد المدى، ولكننا نتكلم هنا عن تداول داخلي في تاريخنا وكياناتنا بل وحياتنا أيضاً.

ان النقص الفطري سبيل إلى نشدان التكامل مع الآخر، وهو سبب أساسي لتكون المجتمعات والجماعات، والإحساس بالعجز البشري طريق للانغماس في بحور الإيمان بالله، وإدراك محدودية العلم والمعرفة والقدرة تحقق الالتجاء المطلوب إلى القوة الالهية المطلقة، ومن ثم النهوض بمهمة الإنسان في هذا الكون كما أرادها الخالق العظيم جل في علاه.