الشائع في سلوك المجتمع أن الواحد وحيد زمانه ومكانه , ولا يجوز له التفاعل مع غيره بروحية تكافلية ذات قيمة إضافية للحياة.
فالكاتب أوحد زمانه , والشاعر وكل مبدع , بل أن النخب بأسرها رغم أن معظمها كأعجاز نخيل خاوية , لكنها تتباهى بما ليس فيها , فتتوهم أنها تحمل أعذاقا متميزة ولذيذة.
وبسبب هذه المحنة التفاعلية الجائرة لم يحصل تواصل وتوالد أصيل بين الأجيال , بل كل جيل ينقض على الجيل الذي جاء بعده ويحاول تعويقه.
وتشذ بعض مجتمعات الأمة الأخرى , ومنها مصر التي تكافلت عقولها في النصف الأول من القرن العشرين , فأوجدت رموزا ذات قيمة حضارية ومعرفية مشرقة.
وفي بلادنا لا نعرف مبدعا مولودا من رحم آخر , فلا يوجد تشجيع وإسناد وتوجيه لصالح بناء شخصية متفوقة بقدراتها عن الجيل الذي سبقها.
وهذه الظاهرة ليست غريبة عن واقع الأمة المعرفي , فمهما يُقال عن أسباب عدم تواصل عقول الأمة وتبريراتها , فأن العامل الأساسي يكمن بالأنانية والشعور بالكينونة الذاتية المتضخمة التي لا يدانيها أحد.
ولهذا ما وجدنا لإبن رشد أتباع , ولا لمن سبقه وتلاه من المفكرين والعلماء , لأنهم يحتكرون المعرفة ويتقربون بها إلى ذوي السلطة والنفوذ , ولا يفكرون بإنشاء جيل يحمل لواء أفكارهم ونظرياتهم , فالعلاقة بين الشخص العارف والسلطة تحتم هذا السلوك الأناني الإنقراضي الخسراني المبيد!!
فلا عجب أن تقطعت أوصال الأجيال وإنطمرت رموزها في خنادق الإندثار الحضاري.
و”أرى كلنا يبغي الحياة لنفسه
حريصا عليها مستهاما بها صبا”
د-صادق السامرائي