21 ديسمبر، 2024 8:12 م

التناحر يعني التعادي والتنافر , ويبدو أن الواقع العربي يخضع لآليات تناحرية متراكمة , ومتطورة بدرجات معقدة ومتشابكة , حتى لتمضي الأمور بتسارع على سكتها ذات التواصلات والتداخلات المتنامية.
فلا توجد حالة عربية إلا وتمسكت بآليات التناحرية , مما يدفع بها إلى مزيد من التعضيل والتعويق والتدمير والتخريب.
ولا يوجد معنى للحل أو مفهوم حل في أيام العرب , والقائم هو التعقيد المتوالد الراسخ في أعماق السلوك , والتفاعل المتنوع المشارب والتوجهات , أي أن العرب يتناحرون , وبتناحرهم يهونون ويتساقطون في مهاوي الخسران.
فهل وجدتم دولة عربية غير متناحرة مع دولة عربية , أو نظام حكم عربي غير متناحر من نظام حكم عربي آخر؟!!
إنها عاهة سلوكية قابضة على مصير الوجود العربي منذ بدايات القرن العشرين وحتى اليوم , مما يؤكد أن العرب ربما غير مؤهلين لحكم أنفسهم بأنفسهم , ويستلطفون التبعية والإستعباد من قبل الآخرين , ولهذا تأكد الإستعمار والإنتداب والحكم بالنيابة , والعمل الجاد على تحقيق أقصى حالات التبعية والإذعان للآخرين.
فكأنهم يتلذذون بأن يُحكَموا بغيرهم , لكنهم يتظلمون ويتشكون من حكم الآخرين لهم , وهذا ما حصل بعد سقوط بغداد عندما عاشوا لقرون تحت حكم الأتراك , وقبلهم تحت حكم العديد من الأقوام , وحينما إنتهت الحرب العالمية الآولى وجدتهم كالأسرى الذين أطلقوا من زنازينهم التي أقاموا فيها لقرون.
ولايزال العرب لا يعرفون معنى الحرية والمسؤولية الذاتية , والعمل الجاد لبناء ذاتهم وموضوعهم , وما يعرفون عمله التأسد على بعضهم البعض , والإمعان بتدمير وجودهم والقسوة على العرب في مدنهم وقراهم وأينما كانوا , فحكومات العرب تتمرغ بدماء مواطنيها الأبرياء.
إن التناحرية قد تعكس حاجات نفسية منحرفة كالتلذذ بإيلام الذات وتحطيمها , أي أن العربي ربما يبحث عمّن يعذبه ويهينه ويستعبده , ليطلق العنان لقريحته الماهرة بالتوجع والتشكي والتظلم , وذرف الدموع وجلد الذات بقسوة المجانين.
وهذه العاهة علينا وعيها ودراستها , والتخلص من تأثيراتها التدميرية الضارة بوجودنا أجمعين , فلن ينفع العربي الإيقاع بأخيه العربي , وإنما يوفر موطئا للطامعين بالعرب , ويفتح لهم بوابات , ويمنحهم تأشيرات دخول إلى أعماق وجودهم , ونخر ذاتهم وموضوعهم , وإسقاطهم في مواقد المفترسين الذين يتربصون لأكلهم كعجلٍ حنيث!!
د-صادق السامرائي