17 نوفمبر، 2024 2:38 م
Search
Close this search box.

التمسك بالعرش

التمسك بالعرش

“وقف النعمان بن بشير الأنصاري الخزرجي على المنبر يوماً فقال للناس: أتدرون ما مثلي ومثلكم؟ قالوا: لا. قال: مثل الضبع والضب والثعلب، فإن الضبع والثعلب أتيا الضب في وُجاره (بيته)، فنادياه: يا أبا الحسل (كنية الضب). فقال: سميعاً دعوتما. قالا: أتيناك لتحكم بيننا. قال: في بيته يُؤتى الحكم: قالت الضبع: إني حللت غيبتي. قال: فعل الحرة فعلت. قالت: فلقطت تمرة. قال: طيباً لقطت. قالت: فأكلها الثعلب. قال: لنفسه نظر. قالت: فلطمته. قال: بجرمه. قالت: فلطمني. قال: حرّ انتصر. قالت: فاقضِ بيننا. قال: قد فعلت.”
من السطور أعلاه نستطيع الوصول الى حقيقة، قد تكون غائبة عنا في خضم حياتنا المليئة بالمشاغل والمشاكل، لاسيما ساعات المحن والشدائد، إذ من الطبيعي أن يعتري المرء لحظتها تشتيت انتباه وقلة تركيز، تفضيان معا الى سوء تقدير وقلة حيلة في وضع النقاط على الحروف. والحقيقة التي قصدتها هي عدم الاكتفاء بتشخيص نقاط الخلل ومكامن الخطل ومفاصل الضعف، والإبقاء عليها قائمة، بل تتبّعها بإمعان وتمحيص، لمعرفة أسباب مشاكلنا وبالتالي معالجتها، إذ حري بنا الابتعاد عن دور المتفرج، والسعي الحثيث في حل ما استعصى منها، فضلا عن الوقوف طويلا عند الأسباب التي أدت الى نشوبها وحدوثها، لتلافي وقوعنا بها ثانية.
إن بلدنا يمر في الظرف الحالي بمرحلة حرجة، حيث تعدد المطبات وتنوع المعرقلات وكثرة العقبات، إذ كما يقول القاضي أبو بكر ابن العربي:
ولو كان رمحا واحدا لاتقيته
ولكنه رمحٌ وثانٍ وثالثُ
وعلينا استذكار أيام كنا قد قرأنا عنها في كتب التأريخ، وأطلعتنا عليها الأسفار، منها البعيدة الموغلة في القدم، ومنها حديثة العهد، مازال أغلبنا يتذكرها وكأنها أحداث الأمس، تلك الأيام التي لم تكن تخلو من أصناف من الناس لبسوا لباس البشر، في وقت هم أشد ضراوة في شرهم من الذئاب، وقطعا لم يتميزوا بهذه الميزة فخرا وعلوا، بل اكتسبوا بها خسة وضعة زادتهم ذلا على ماهم عليه، ورحم الله الرصافي حين أنشد:
كلاب للأجانب هم ولكن
على أبناء جلدتهم أسود
وكما نقول في مثلنا: (ماكو زور يخله من الواوية) فـ (واوية) المراكز القيادية -رئاسة وتشريعا وتنفيذا- كثيرة في وقتنا هذا، ولديها من الألسن مايبدأ بتصريحات رنانة طنانة، لاتقف عند حد من المبالغة والكذب وقلب الحقائق، فأكثرهم ينفخ في قربة منخورة، بهدف واضح لدى الجميع، وواضح جدا في جل خطاباتهم تأثرهم بمقولة النازي: “اكذب اكذب اكذب حتى يصدقك الآخرون، ثم اكذب أكثر حتى تصدق نفسك”.
اليوم يحارب العراقيون على أكثر من جبهة، وليست كما كانت فيما سبق، يوم كانت الجبهة واحدة معلومة، أما اليوم فإن الجبهات المفتوحة مع المفسدين، من متقلدي المناصب العليا والدنيا على حد سواء، أكثر تنوعا وأشد خطورة، لاسيما أنهم مصابون بعقدة التمسك بالمنصب، ولايتوانون عن فعل أي شيء من أجل البقاء متربعين على عروشهم، حتى أنهم لم يتخذوا من ثورة الشعب وتظاهراته رادعا، يوقفهم عن غيهم وطغيانهم وتمددهم بالفساد، كما أنهم أداروا ظهورهم عن موقف المرجعية، ذلك أن ماتراه يخالف مصالحهم ومنافعهم، فأغلبهم لم يتنازل عن صومعته التي بناها بأموال العراقيين، وأبى التوبة والاستقامة، بل هو يسعى جاهدا إلى الحفاظ على مركزه الذي وصله، بالغش والمكر والسرقة والاحتيال مااستطاع إلى ذلك سبيلا، فهم معروفون برفعهم شعار: “أنا وليكن الطوفان من بعدي”. وباتوا كما يقول مثلنا: “اعمى وچلّب بشباچ الكاظم”.
[email protected]

أحدث المقالات