من جديد يستعيد التاريخ السياسي العراقي نفسه وفق نفس المعطيات، مع فارق الضعف التاريخي للدولة العراقية الآن, حيث تعيش اوهن ايامها منذ تأسيسها مطلع القرن الماضي ، وهو ما يستغله الساسة الاكراد ، للاجهاز على ما تبقى من هذه الدولة التي وقفت حائلاً كما يزعمون بوجه طموحهم التاريخي ، في اقامة “دويلة ” شمال العراق ، وضم اجزائها المتناثرة بين سوريا والعراق وتركيا .
في البعد الستراتيجي الذي يحلظه القارئ السياسي لتاريخ الحركة الكردية يجد أن هذه الدول الثلاث كانت على الدوام بمثابة المصد الذي يستفيد منه العراق في كبح جماح الطموحات الكردية المتنامية ، في تركيا لم تسمح تاريخياً ، بل وكانت سياستها تتركز اقصاء الحركة الكردية الانفصالية وعزلها وعدم السماح لها بالمطالبة بحقًوق مدنية فضلاً عن الحقوق السياسية ، وفي ايران كان الحال كذلك ، فالحكومات الايرانية المتعاقبة تمنع طموحات تلك الحركات الانفصالية ولا تسمح لها بالتمدد في المنطقة ، وكذلك الحال في سوريا الدولة القومية التي حدت على الدوام من الجموح الكردي ، ولذا وجد الساسة العراقيون على الدوام اوراقاً للعب في الملف الكردي ، الذي كان بمثابة العلة المزمنة بتاريخ الدولة العراقية والتي استنزفت مواردها السياسية والمادية وكانت الشرخ الاكبر في مشورع الادماج المجتمعي الذي يضمن هوية وطنية جامعة .
الا أن ذلك لم يكن القاعدة فيما يخص الطرف الخارجي واللعب على ورقتهِ ، فتمرد الكرد شمال العراق ، كان له اثمان باهضة دفعتها الدولة العراقية بدأً من الحرب الطويلة التي خاضها الجيش العراقي ، مروراً باتفاقية الجزائر سيئة الصيت التي وقعتها حكومة البعث المجرم مع “شاه ايران ” الذي استغل ضعف العراق حينها ولعب بورقة التمرد الكردي حتى نال ما نال من امتيازات لم تكن ايران ولا غيرها تحلم بها ، لو لا الضعف الذي اوجدته الحركة العنصرية الكردية ! للدولة انذاك .
حتى ان بعض المؤرخين السياسيين يعدون اتفاقية الجزائر سيئة الصيت ، واحدة من اهم الاسباب التي اجبرت الديكاتور صدام حسين على شن الحرب على ايران عام 1980 ، وما جرته من مآساة على البلدين ، وهذا يعني ان الحرب الطويلة كانت الحركة القومية الكردية احد اهم اسباب اشعالها .
في الراهن السياسي وبعد انهيار الدولة العراقية عام 2003 وما تلاه من تغيرات دراماتيكية وجذرية في الدولة ، تستمر الحركة القومية الكردية “العنصرية ” بمواصلة ذات النهج العدائي لكل ما هو عراقي ، وما يمكن ان يكون نواة لاعادة بناء عراق مستقر ، حتى ان هناك مقولة مشهورة لزعيم احد الاحزاب الكردية القومية الحالية تقول ” أن اضعاف العراق قوة لنا ” ، ويبدو ان الحزبين الكرديين وحلفائهما سائرون بهذا الاتجاه الى النهاية ، وما احداث كركوك الاخيرة وما رافقها من منع الجيش العراقي من التدخل في الشؤون الامنية بل والتصدي العسكري بواسطة المليشيات الكردية له ، وكم المرات التي اعترض عليها الساسة الاكراد على صفقات التسليح التي يوقعها العراق مع الدول الكبرى ، وافشالها بشتى الوسائل الا ادلة واضحة لا تقبل اللبس على هذا النهج الخطر الذي يتخذه التمرد الكردي الجديد القديم على الدولة والاستمرار بنهج اضرار الدولة وتفكيكها .
وما تقدمه الزعامات الكردية اليوم في ملف النفط العراقي والاستيلاء غير الشرعي عليه وبقوة السلاح دليل اخر على حجم الاستهتار الكردي الذي بلغ حداً لا يمكن معه السكوت او ابتلاعه من قبل الساسة العرب المنشغلين بصراعات جانبية تغذيها بشكل مباشر وغير مباشر الحركات الكردية ، لتمرير مشاريعها التدميرية ، وما تبدل الموقف التركي في هذا الملف الا خطوة اخرى في مشروع تركي لتمزيق العراق او المضي في طريق ابتلاع اجزاء منه بعد ان ايقن الاتراك ، أن الورقة الكردية العراقية يمكن اللعب بها بعد عزل الملف الكردي التركي عن العراقي عقب تسوية شهيرة افضت الى ما يشبه الحل التاريخي لمعضلة تركيا ، وان اوردغان اليوم يتماهى مع الشاه محمد رضا بهلوي على مايبدو في ابتزاز العراق ومحاولة جر الحكومة لتقديم تنازلات كبرى مقابل التخلي عن الورقة الكردية في الوقت المناسب الذي سيدركه اوردغان فقط !.