18 ديسمبر، 2024 5:21 م

التمثيل الرقيع في تلاوة الخبر المريع

التمثيل الرقيع في تلاوة الخبر المريع

في النشرة التي يقدمها دويتو ثنائي، سيلتفت المذيع الحلو صوب المذيعة الحلوة ويسمّيها باسمها بعد قراءته خمس مفردات، فترد هي عليه بمثل ما فعل، وتصنع من الزند والساعد زاوية حادة.

حدث هذا في زمان الأبيض والأسود وبعض من زمان التعددية اللونية على شاشة التلفزيون، أن المذيع الذي يقدم نشرة الأخبار كان على درجة عالية من الكياسة والانضباط والثبات وتكشيرة الوجاهة، وهو يتلو على الناس نشرات ومواجيز وعواجل الأنباء.

كان يجلس على كرسيّه الراسخ في الأستوديو ثابتا نابتا كأن فوق رأسه طير، وكانت ذائقة الناس تقيس قوة حضور المذيع بقوة وجهه الذي لا يقطعه السيف، خاصة إذا كان الخبر متعلقا بالسيد الرئيس أو ببيان صادر عن الجيش يتحدث عن نصر مؤزر على أوغاد العدو.

يحصل هذا مع المذيعة الجميلة أيضا، لكن بصورة أقلّ حدة ونفخة مما يقع على طاولة المذيع الفحل، وهذا لا يعني أن تلك المذيعة المسكينة بمقدورها أن تطلق عشر ابتسامة على وقع قراءتها نبأ حريق نشب في مالي وأدّى إلى ضرر عظيم بالزرع المشتول في سور المكان.

اليوم اختلف الأمر تماما وصارت الفضائيات والأرضيات تستقتل لجرِّ المشاهد من خشمه وزرعه أمام زخيخ شاشاتها الهائل، فجيء بمذيعات رائعات تشبه إحداهن هيفاء وهبي، وبمذيعين لن تجد على وجوههم خشم الفرعوني مفيد فوزي وحواجب الرافديني مجيد السامرائي، فتحولت نشرات الأخبار السارة والموجعة معا إلى مقاطع تمثيلية حلوة مرة ومنفّرة مرات، وصارت الناس العامة تشنف أسماعها وتكحل عيونها وهي تنصت ببهجة كبيرة لتفاصيل نبأ تتلوه امرأة هائلة منفوخة الشفايف ومدلوعة القميص وقوامها من جمال الصنع يكاد يصيح خذوني.

في النشرة التي يقدمها دويتو ثنائي، سيلتفت المذيع الحلو صوب المذيعة الحلوة ويسمّيها باسمها بعد قراءته خمس مفردات، فترد هي عليه بمثل ما فعل، وتصنع من الزند والساعد زاوية حادة، ثم تبعدهما عن جسدها فتخلق حركة راقصة قد لا تجدها إلا إذا ولّيت وجهك صوب حفلة عرس قائم بباب الخميس وطقطوقة “يا حضرة العمدة ابنك عليوة حذفني بالسفندية” فيضحك العمدة اللطيف ويفتل شواربه ويقنع البنت الرقاصة بأن فاكهة السفندي هي المنبع المضمون لفيتامين دي وأن الواد عليوة يحبك ويخشى عليك من هشاشة العظام وضمور الأفخاذ وسيبان الركب وذبول الوركين الرهيبين.

من المناظر المقرفة أيضا في التمثيلية الإخبارية الجديدة، هو أن مذيعة النبأ اليقين ستبقى مبتسمة ومبتهجة ومنفرجة الأسارير حتى لو كان الخبر عبارة عن انفجار سيارة مفخخة في حشد ناس أبرياء كانوا يتناولون غداءهم بخاصرة كرادة بغداد أو بباب توما الشام أو بصلاة عيد سعيد ظنت الناس أنه آخر أعياد الدم.
نقلا عن العرب