18 ديسمبر، 2024 6:52 ص

التماسك الوطني والدبلوماسية العراقية

التماسك الوطني والدبلوماسية العراقية

عانت المنطقة العربية في العقود الأخيرة من أزمات متلاحقة كشفت عن هشاشة الوضع الإقليمي وخطورة التدخلات الخارجية. كان الصراع السوري أحد أبرز وقد لا يكون الأخير في هذه الأزمات حيث تحول إلى نموذج غريب لانهيار الدولة، بفعل الانقسامات الداخلية وتواطؤ القوى الإقليمية والدولية. هذه التجربة لا تزال تلقي بظلالها على المنطقة وفي مقدمتها العراق الذي يواجه تحديات مشابهة رغم تجاربه المريرة السابقة في ظل تهديدات مباشرة وغير مباشرة تهدف إلى زعزعة استقراره.

إن تفكيك سوريا، وتدمير بنيتها التحتية، وتهجير الملايين جاء في سياق مخطط ممنهج استهدف إضعاف الأمة العربية لصالح قوى خارجية أبرزها إسرائيل التي استغلت حالة الانهيار العربي لتعزيز مشروعها التوسعي. فقد تعرضت سوريا إلى أكبر هجوم عسكري إسرائيلي في تاريخها بعد انهيار نظامها دون إطلاق رصاصة واحدة ضد إسرائيل. وبالتزامن، يستمر الاحتلال الإسرائيلي مع دعم الإدارات الامريكية المتعاقبة في تصعيد انتهاكاته ضد الفلسطينيين عبر مجازر مروعة وتهجير مستمر لأهالي غزة دون أن يتحرك المجتمع الدولي بشكل جاد لمحاسبة المسؤولين رغم قرارات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية.

العراق بين الدروس والعبر

اليوم، يواجه العراق حملة إعلامية غريبة تصور وضعا” مشابها” حيث التحديات الطائفية وتصاعد تأثير الفصائل المسلحة التي تشكل بيئة خصبة لمحاولات تقسيمه وإضعافه. هذه المخططات، التي تقف خلفها قوى دولية وإقليمية تهدف إلى إعادة إنتاج السيناريو السوري في العراق مما يفرض على العراقيين الاستفادة من التجربة السورية لتجنب المصير ذاته.

خطوات التماسك الوطني والدبلوماسية

  1. تعزيز الجبهة الداخلية:
    • ترسيخ الهوية الوطنية العراقية من شماله الى جنوبه وجعل الولاء للعراق فوق جميع الانتماءات الفرعية.
    • إصلاح النظام السياسي عبر محاربة الفساد لتعزيز كفاءة المؤسسات وضمان عدالة توزيع الموارد.
    • إشراك الشباب والمجتمع المدني في بناء الدولة وتفعيل دورهم كمحرك للتغيير الإيجابي.
    • إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية لضمان ولائها الكامل للدولة ومكافحة الجماعات المسلحة الخارجة عن القانون.
  1. دبلوماسية متوازنة:
    • تحييد العراق عن الصراعات الإقليمية وتبني سياسة خارجية متوازنة تُبقيه بعيدا” عن محاور الصراع.
    • تعزيز التعاون مع دول الجوار العربي ومثله تركيا وإيران لتأمين المصالح المشتركة واحتواء التوترات.
    • رفض التدخلات الخارجية والعمل على تعزيز السيادة الوطنية.
    • تفعيل الحضور الدولي للعراق لضمان دعمه أمام التحديات الإقليمية.

الخلاصة: العدو الحقيقي للعرب

لا يمكن إنكار أن العدو الحقيقي للأمة العربية اليوم هو المشروع الصهيوني الذي يعمل بجهد لتفكيك الدول العربية واضعافها بهدف فرض هيمنته الإقليمية وتحقيق حلم “إسرائيل الكبرى”. أمام هذه المخططات، يتوجب على العراق قيادة مبادرة عربية-إسلامية تجمع القوى المؤثرة في المنطقة بما فيها تركيا وإيران والحديث بصراحة لتجاوز الصراعات الطائفية وتوحيد الجهود ضد الاحتلال الإسرائيلي.

إن استقرار العراق ليس قضية محلية فحسب، بل هو ضرورة إقليمية تساهم في حفظ التوازن في المنطقة. العراق بثرواته وعمقه الحضاري قادر على الصمود، ولكن ذلك يتطلب إرادة سياسية صادقة ورؤية استراتيجية بالخصوص مع تركيا وإيران لحل قضايا التجاوزات الحدودية ومشاكل المياه تضع مصلحة البلاد فوق كل اعتبار. فقط من خلال الوحدة الوطنية والدبلوماسية المتوازنة، يمكن للعراق أن يتجنب السيناريوهات المدمرة ويحافظ على مكانته كلاعب رئيسي في المنطقة.