التلوث اشد خطرا على العراقيين من الارهاب – 2

التلوث اشد خطرا على العراقيين من الارهاب – 2

 بينًا في مقال سابق بعنوان التلوث اشد على العراقيين من الارهاب اسباب رئيسية وقطعا ليست تلك الثانوية التي تحدث عنها المسؤولين او بعض الخبراء عبر مختلف وسائل الاعلام واستندنا في ذلك الى الوكالات الدولية المعنية بالتلوث واليوم وهو ثاني ايام الحظر المفروض على حركة السيارات والاشخاص لمناسبة اجراء التعداد السكاني وجدنا مصداقية لذلك التشخيص حيث لم نجد طبقات الكاربون المتراكمة على ارضيات المنزل الخارجية كتلك التي تحدث بشكل يومي سيما وأن موقع المنزل قريب من طريق المرور السريع ووجود مولد المنطقة على بعد مائتي متر تقريبا او يزيد ، كذلك لم تعد رائحة الدخان تعطر الملابس عند العودة من مشاوير المشي الحر

وفي العودة الى الاحصائيات العالمية  التي تشير الى ان العراق يحتل مراتب متقدمة بين الدول الاكثر تلوثا بالانبعاثات الضارة وبمستويات الجسيمات الدقيقة النوع الثاني PM 2.5 الاكثر ضررا على صحة الانسان ، وفقا  للتقرير السنوي في موقع IQ Air(https://www.iqair.com ) يحتل العراق المركز السادس لعام 2023 في مستويات التلوث للعام مع ان العراق دولة ليست صناعية ويعاني من قصور في محطات توليد الطاقة والموجود منها يعمل بالغاز وليس بالوقود الاحفوري .

ورغم هذا التصنيف الدولي للعراق ، الا ان نظرة الى القراءات اليومية لمستويات التلوث حول العالم عبر التطبيقات التي اطلقتها عدد من الوكالات الدولية المتخصصة ومنها وكالة حماية البيئة الاميركية التي يبدوان لها اجهزة تحسس في مقر السفارة الاميركية في بغداد ، كلها تشير الى مستويات اعلى من تلك المذكورة في التصنيف (فعلى سبيل المثال قراءة مؤشر الجودة ليوم الثالث من ديسمبر الساعة التاسعة والنصف مساءا كان 207 ميكروغرام / م3 اي من الدرجة الخامسة والذي يعد غير صحي للغاية وفق تصنيفات منظمة الصحة العالمية المؤلف من ستة درجات أما مؤشر PM2.5  فقد كان 137.5 ميكروغرام / م3  أي 27.5 مرة  ضعف التركيز الموصى به من قبل منظمة الصحة العالمية التي تنص إرشاداتها على أن المتوسط السنوي لتركيزات جسيمات PM2.5 يجب ان لا تتجاوز 5 ميكروغرام / م3، كما ينبغي ألا يتجاوز متوسط التعرض على مدار 24 ساعة 15 ميكروغرام/م3 أكثر من 3 – 4 أيام في السنة. في حين ان كمية تلوث الهواء المقبولة وفق تصنيفات المنظمة الدولية يجب ان تكون اقل من 50 ميكروغرام / م3.

علما ان قراءة مؤشرات جودة الهواء والجسيمات الدقيقة لبقية ايام السنة وللعام الرابع على التوالي لمدينة بغداد يتراوح صعودا في اغلب الاحيان او نزول طفيف في بعض الاحيان عما تم ذكره انفا وهذا مثبت في ارشيف المنصات المتخصصة وبأمكان اي شخص التأكد من ذلك، من هنا يمكن ان نفسر سبب كثرة الوفيات في العراق خلال جائحة كورونا مقارنة بدول المنطقة ، حيث ان الجسيمات الدقيقة التي تهمل خطورتها وزارة البيئة والهيئات ذات العلاقة، خصوصا تلك التي يبلغ قطرها 2.5 ميكرومتر وهي أرق بمقدار 30 مرة من شعرة الإنسان ويمكن استنشاقها بعمق في أنسجة الرئة وتساهم في مشاكل صحية خطيرة و تعتبرها منظمة الصحة العالمية ووكالات حماية البيئة الدولية من أخطر الملوثات لكونها تخترق حاجز الرئة وتدخل نظام الدم، مسببة أمراض القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي والسرطانات وهي الاكثر تاثيرا على عدد أكبر من الناس مقارنة بالملوثات الأخرى وله آثار صحية حتى عند التركيزات المنخفضة جدا.

هذه المؤشرات البيئية في بغداد مخيفة ومثيرة للقلق ويمكن اعتبارها اكثر تأثيرا على المجتمع من التهديدات الامنية ، لكن ما يؤسف له ان تقابل الحكومات هذا التهديد بصمت مطبق والشعب لا يدري ان يضع اهتمامه فهو مشغول بنقص الخدمات.

قد اشرنا في الجزء الاول من هذه المقالة البحثية الى ان النقل يعد المسبب الاول للانبعاثات الملوثة بجزئيها الغازات السامة والجسيمات الدقيقة وكمثال على تأثير التغييرات في سلوكيات النقل والتنقل خلال دورة الألعاب الأوليمبية الصيفية لعام 1996 في أتلانتا على جودة الهواء وتشغيل نظام باصات النقل السريع BRT ، فقد انخفض عدد أحداث الرعاية الحادة للربو بنسبة 41.6% (4.23 مقابل 2.47 حدثًا يوميًا) في ملف مطالبات Medicaidفي جورجيا، و44.1% (1.36 مقابل 0.76 حدثًا يوميًا) في قاعدة بيانات منظمة صيانة الصحة للمدينة، وهناك العشرات من المقارانات المماثلة منشورة على مواقع المعاهد العملية المتخصصة بدراسات النقل العام حول العالم.

للأسف تفتقد مؤوسساتنا المعنية الى العمل الاحصائي في هذا المجال كما هو شأن بقية المؤوسسات الرديفة في العالم لرصد الاثار الجانبية للتلوث البيئي ، فوزارة الصحة ينبغي لها ان تستحدث مراكز ترصد نتائج التلوث الصحية واحصاء ضحاياه وكيفية التعامل مع الامراض الناجمة عنه وتصدر الارشادات في كيفية التعامل مع كل مستوى من المستويات التي حددتها منظمة الصحة العالمية وكذلك التنسيق مع الامم المتحدة ومنظماتها المتخصصة الاخرى التي عادة ما ترصد منح للمساعدة ، وكذا الامر بالنسبة لوزارة البيئة  من اجل أعداد الخطط مع كل ظاهرة يتسببها التلوث بكل انواعه طبقا للنتائج التي ترصدها اجهزة الرصد التي ينبغي نصبها في كل المدن العراقية اسوة بمدن العالم حيث هنالك جهاز رصد لكل 330 الف نسمة كما اوضحت احد نشرات البنك الدولي مع توضيح اعلامي للتعامل مع كل مستوى من مستويات التلوث المقررة من قبل افراد المجتمع لتقليل الاصابات من خلال اتخاذ الاجراءات اللازمة.

في مقالنا القادم سنتحدث عن التلوث الضوضائي   

أحدث المقالات

أحدث المقالات