23 ديسمبر، 2024 1:40 ص

سياسة معروفة ومستعملة منذ أقدم العصور , فلكي تستبيح مجتمعا ما , عليك أن تشغله بما يلهيه ويبعد إنتباهه عنك وحذره منك , فتفعل به ما تشاء , وهو في ذروة إنهماكه بالملهيات اللازمة للقضاء عليه.
وفي واقعنا كان الناس يقولون عندما يذهب الحرامي للسرقة في الريف ليلا , يأخذ معه عظاما بعطيها للكلاب التي تحرس البيت فتتلهى بها , ويسرق ما يستطيعه والكلاب لا زالت لاهية بالعظام.
ولا فرق بين هذا المفهوم السلوكي وما يحصل في واقعنا المنشغل أصحابه بما لا يحصى من الملهيات , إبتداءً من الحرمان من الكهرباء والماء الصالح للشرب والرعاية الصحية , إلى موقدات الصراعات الخسرانية بأنواعها , وبأتي في مقدمتها الدين الذي صار سلعة ووسيلة لإغواء وإلهاء وتضليل الملايين.
والمشكلة في سياسة التلهي , أن ضحاياها لا يستطيعون إدراك هذا المرام أو المفهوم , ويحسبون ما يقومون به من ضرورات الدفاع عن وجودهم المستهدف , ولا يمكنهم أن يستوعبوا بأنهم يحاربون أنفسهم , ويقادون إلى سقر وهم لا يشعرون.
وقد لعب العديد من الرموز والقوى والفئات دورهم في التعمية والإلهاء , وحشر الناس في زوايا حادة خانقة قاتلة لا يرون فيها سوى الظلام , ويسقون من زقوم الأوهام كما يشاء مفترسهم المقدام.
وعندما تتأمل أي حالة في مجتمعاتنا , تجد عامل الإلهاء فاعل فيها ومؤثر في مسيرتها , وتكتشف أن الأجيال مصفدة ومتلهية ببعضها , لأنها قد سقطت في شراك الصراعات الخسرانية المتبادلة.
ولهذا فأن التوحل بالخمود والتقهقر والإنتكاس المتراكم , ديدن محطم لوجودنا القويم.
ولن نتمكن من التمتع بحرية التعبير عن القدرات الحضارية , إلا بالتخلص من ألاعيب الإلهاء المهيمنة على وجودنا , وحياتنا الخالية من إرادة العقل المنور والروح العازمة الطامحة الوثابة.
فهل لنا أن نزيح الملهيات من طريقنا , ونتتعلم الجد والإجتهاد وما ينفعنا ولا يضرنا؟!!