18 ديسمبر، 2024 6:52 م

التكييف القانوني للحكم بالسجن مع إيقاف التنفيذ يشكل دليل أدانه بالجرم المشهود.

التكييف القانوني للحكم بالسجن مع إيقاف التنفيذ يشكل دليل أدانه بالجرم المشهود.

(دراسه قانونيه مقارنه في كل من العراق والجزائر وليبيا ومصر)
اعداد
أ. د جلال الزبيدي
حقوقي واستاذ جامعي
تزدحم اروقة المحاكم الوطنيه والعربيه بالعديد من الاحكام القضائيه بأيقاف تنفيذ العقوبه مؤقتآ..؟
والتي جرى أحيانآ تفسير وتوصيف وايضآ مفهوم هذا الحكم المؤقت بغير مكانه القانوني؟ حيث يتصور البعض للاسف بأن الحكم بالسجن مع ايقاف التنفيذ كأنه شكل من أشكال البراءه لعدم كفاية الادله الجرميه..!!وستكون هذه الدراسه منبرآ لانضاج وتوضيح الدلالات القانونيه للحكم مع إيقاف التنفيذ مؤقتآ..
عمومآ هذه الظاهره القانونيه برزت في بدايات القرن الثامن عشر في كل من فرنسا وإيطاليا وانتقلت الى التشريعات الجنائيه بالدول الاوروبيه وانتشرت ايضآ في العديد من تشريعات الدول العربيه. ان مضمون هذا التوجه القضائي بايقاف تنفيذ الاحكام القضائيه مؤقتآ  يخضع بالضروره لنوع من التناسب القانوني مابين(الجريمه العقوبه) والذي يعتمد اساسآ على محددات (نظرية تفريد العقوبه) كما ان هذه المعادله القانونيه تكرس اساسآ على ظاهرة إعادة إصلاح وتأهيل الاشخاص الذين هم ليسوا على درجة عاليه من الخطوره الجنائيه. وجدير بالاشاره ان عملية الحكم بالحبس مع إيقاف التنفيذ يكون قائمآ فقط في الجنح والجنايات ولا يشمل  المخالفات..؟
 هذا ويجمع الفقه والقضاء على ان عملية الايقاف المؤقت للعقوبه من قبل قاضي الموضوع ماهو الا شكل من أشكال تعليق تنفيذ العقوبه على شرط موقف لها خلال مدة (التجربه والاختبار)  تتباين وتختلف فترة التجربة والاختبار من حيث مساحتها الزمنيه وفقآ الارادة المشرع الجنائي في كل بلد عربي ايضآ.. فمثلآ في العراق ومصر حددت مدة التجربه والاختبار ( بثلاث سنوات) وفي الجزائر وليبيا حددت مدتها (بخمس سنوات) خلالها يستوجب على المعني بحكم الايقاف ان لا يرتكب اي جنحه او جريمه تؤدي إلى الغاء الحكم بالايقاف؟
وهنا يجب التأكيد ان الاحكام القضائيه بالايقاف المؤقت لتنفيذ العقوبه تكون قائمه فقط في (جرائم الحق العام وليس في خصومات الحق الخاص)..وان قاضي الموضوع عادة يمتلك سلطه تقديريه واسعه في إيقاف تنفيذ العقوبه مؤقتآ ويخضع هذا الايقاف المؤقت عادة الى معايير اخلاق المحكوم عليه وسيرته الاجتماعيه وعمره وان لا يكون من اصحاب السوابق القضائيه. ان حكم القضاء بايقاف تنفيذ العقوبه مؤقتآ لا يعني المطلق انه نوع من انواع (البراءه المقنعه)؟ بل هو يبقى بالضروره القضائيه دليل أدانه بالجرم المشهود.علمآ ان لقاضي الموضوع اختصاص وسلطه في عدم إيقاف الحكم  القضائي بمعنى تنفيذ الحكم  بالسجن حتى لو كان الحكم القضائي بأقل من سنه وذلك تبعآ الاجتهادات وقناعة قاضي الحكم. كما لايفوتني ان اؤكد مجددآ على مسأله قانونيه بالغة الاهميه الا وهي ان الشخص المحكوم بالسجن مع إيقاف التنفيذ يبقى قانونيآ من اصحاب ( السوابق القضائيه)
وذلك خلال فترة التجربه والاختبار تحديدآ والتي قد تكون في التشريعات العربيه  متباينه بين 3-5 سنوات ولذلك يمنع عليه خلال هذه الفتره الزمنيه الحصول على صحيفة حسن السيره والسلوك الجنائي او صحيفة رد الاعتبار وكذلك يمنع عليه احيانآ تبوء بعض الوظائف الاداريه الهامه؟ ويمكن فقط له الحصول على هذه الوثائق القانونيه بعد تجاوز فترة التجربه والاختبار بنجاح ودون انتهاك لاحكام القانون. كما ان إيقاف تنفيذ الحكم القضائي لا يؤدي إلى  الغاء او إيقاف العقوبات التبعيه ذات الأثر المالي فاذا توفى المحكوم عليه بالحبس مع إيقاف التنفيذ لا يؤدي ذلك إلى سقوط العقوبات التبعيه. وهنا  تكون المسؤوليه الماليه  تقع  على عاتق تركة الورثه شرعآ قانونآ ؟
 ولو جئنا لقانون العقوبات العراقي رقم111 لسنة 1969 نجده ناقش مسألة إيقاف تنفيذ العقوبه مؤقتآ في العديد من المواد القانونيه حيث أشارت الماده 146 من القانون المذكور(تكون مدة إيقاف تنفيذ العقوبه لمدة 03 سنوات من تاريخ صدور الحكم القضائي) كما ان الماده147 من القانون المذكور أشارت الى انه يجوز الغاء الحكم القضائي بايقاف التنفيذ المؤقت في الحالات التاليه ادناه:
اولا.. اذا لم يقوم المحكوم عليه بتنفيذ الشروط المفروض عليه  القيام بها خلال مدة التجربه والاختبار او في حالة انه تم الحكم عليه في جناية او جنحه عمديه وحكم عليه بعقوبه سالبه للحريه ولمدة اكثر من 03 أشهر خلال فترة الايقاف؟
ثانيآ.. اذا ظهر خلال مدة التجربه والاختبار ان المحكوم عليه كان قد صدر عليه حكم نهائي جنايه او جنحه سابقآ وان المحكمه لم تكن على علم بهذا الحكم القضائي..؟
كما ان الماده152 من نفس القانون أشارت الى انه في حالة توفى المحكوم عليه فتسقط العقوبات والتدابير الاحترازية المحكوم بها اما العقوبات الماليه فتؤول في تركة ورثته كما ذكرنا سلفآ.
كما ان المشرع الليبي اشار بالماده 112 من قانون العقوبات الليبي لسنة 2022 والذي اصدره مجلس النواب الليبي اكد على ان تعليق تنفيذ العقوبه يكون على شرط حيث
 يجوز للمحكمه عند الحكم بالحبس لمده لا تزيد عن سنه واحده وبالغرامه ان تأمر في نفس الوقت بايقاف تنفيذ العقوبه لمدة05 سنوات ويطبق هذا على الشخص الذي لم يبلغ سن الرشد الجنائي وايضآ على الشخص الذي بلغ70سنه من العمر وذلك عند الحكم عليه بالحبس مع إيقاف التنفيذ لمدة سنتان فقط..؟
أما المشرع الجزائري فقد اشار في الماده
594 من قانون الاجراءات الجزائية ان فترة إيقاف العقوبه للمحكوم عليه هو لمدة 05 سنوات.
أما المشرع المصري وحسب الماد 56 من قانون العقوبات المصري والذي حدد  فترة الايقاف المؤقت اي فترة التجربه الأختبار هو لمدة 03 سنوات..
 واخيرآ وددت هنا الاشاره انه عندما ينطق القاضي  بحكم الادانه بالعقوبه الجنائيه فان هذه الادانه بالعقوبه تكون موقوفه التنفيذ مؤقتآ لكن الحكم القضائي لا يسقط بل يبقى ساريآ وقائمآ حتى انتهاء مدة الايقاف وهي (فترة التجربه والاختبار) كما ذكرنا والتي يستلزم من المحكوم بالحبس مؤقتآ انجازها بنجاح وعندها فقط يعفى المحكوم عليه من العقوبات ومن آثارها القانونيه وبالتالي يرفع اسم المعنى من قيود وسجلات البحث الجنائي ومن قوائم اصحاب السوابق القضائيه وتعاد له الاعتبارات القانونيه المطلوبه كاملة…