ملح سنوات عراقية مختلط بدم حر في فرات وجنوب ثائران حاول النظام القمعي طمرهما تحت طين الاهوار عندما جففهما الطاغية المقبور عنوة ليموت كل شيء ينادي لبيك يا حسين ففي الجنوب خير ثرٌ وعظام أجداد مسالمين أرخُّوا لأنفسهم تأريخاً مطرزاً بالحرية الحمراء ونشوء المجلس الإسلامي الأعلى خطوة كانت في المحل الصحيح لأن قائده رجل من طراز خاص إستنصاراً لمحنة الإنسان المحروم المهمش والأجيال المشوشة التي تستصرخ المستقبل المجهول فأغاثته في التاسع من نيسان عام 2003.
الصورة السياسية من المفترض أن تكون أكثر من تعديل جذري بنظام الحكم فما وجدناه على أرض الواقع بعد الإطاحة بالطاغية مهرجان للتبضع كل يلقي بضاعته للديمقراطية المنشودة فلمس المواطن من حكوماته المتعاقبة المزيد من البكاء والدماء والدهاء واليوم تطل الحكومة بالجديد (التغيير الجوهري) وكأن الجوهري حليب حكومي سينقذ العراق ويقويه ويعيد ترتيب عظامه المتناثرة من جديد بعد عقد من الفساد والفشل فماهي الهدايا التي يجب على حكومة التكنوقراط المزمع إنشاؤها أن تقدمها لهذا المواطن البسيط؟
الشفافية التي أرقَّنا بها السلك الدبلوماسي المترنح يصورها القمقم العراقي وكأنها العسل الملكي والعودة بمعسول الكلام فقط دون ردات فعل مؤثرة تعطي للآخر حجمه الطبيعي فمع عسل الشفافية للأسف لم نحصل سوى على وخزات النحل المتهلف للتدخل في الشأن العراقي وبأدق التفاصيل ومثال الكلام ما زال حاضراً وبقوة في التوغل التركي للأراضي العراقية والدور التآمري لمملكة ال سعود وقطر مع أسيادهم اليهود وأمريكا فالمشهد الخارجي لحدودنا تنمو فيه خلايا للدبابير وليست للنحل فأين عسل التكنوقراط؟
يقول الأديب المسرحي الفرنسي موليير: من أخطر الجرائم وأكثرها جهلاً وتخلفاً عندما تدعي أنك وحدك تمتلك الحقيقة وغيرك لا يملك شيئاً وحقيقتك صائبة والأخرى خاطئة بل وتفرض ذلك على الآخرين بالقوة فالحكومة التي تتحدى المرجعية ولا تحقق شيئاً على مستوى الإصلاحات وتسوف برنامجها لأجل مصالحها سيادة وسعادة وأرصدة وإستقراراً ولاتأبه للشعب الذي مزق جلده الفكر المتطرف والمال الحرام وسيوف الطغاة وقد تجاوزت بذلك كل الخطوط الحمراء فأي إصلاح تكنوقراطي لا يبدأ بك يا رئيس الوزراء؟
عشر هدايا يجب أن يقدمها العبادي مع تغييره الجوهري والذي سينقذ العراق كما يدعي من الخيبات والويلات وهي تغيير رأس الهرم متمثلاً به ثم ينقل معركته التكنوقراطية مع عشرة من أفراد كتلته التي سيكون فيها الصراع قوياً لأن أصعب المعارك هي التي يخوضها عقلك لأجل كرسي الحكم وبين الحقيقة الساكنة في قلبك التي ترفض القبول بهكذا إصلاح يمس حزبه فلا إصلاح جوهري مادام القائد يقود عربته في الليل ولا يفصح عن مكنونها بعدالة ومصداقية ونزاهة!