تمُرُ الأمم والشعوب بمنعطفات خطيرة، تتفاوت قابلية التصدي لها حسب حجم الإستعداد الذي من خلاله يمكن قياس نجاح أو فشل كل شعب أو امة عند تعرضها لأي طاريء.
لم تكن الامة العراقية بمنأى عن هكذا تداعيات، اذ إنها وعلى مر العصور كاتت محورا للأحداث والمتغيرات التي شهدها العالم سواء كانت سياسية أو فكرية او إجتماعية. يمكن القول ان توالي المحن والآلام على تلك الأمة قد أكسب ابناءها خبرةً في التعاطي مع الازمات اي كان نوعها، فالكلام هنا ليس على مستوى الحكومات، بقدر ما هو إشارة للحالة المجتمعية التي طالما كانت هي الضحية الأولى غداة اي تغيير يطرأ على اي من المجالات.
لقد أثبتت الامة العراقية أنها على قدر المسؤولية حين كان الاستعداد على أتمه بعد لحظات من صدور الفتوى المباركة لسماحة المرجع الديني الاعلى السيد علي السيستاني(دام ظله) بوجوب التصدي كفائياً لعصايات داعش التي كادت ان تحكم قيضتها على جميع الأرض العراقية، لولا لطف الله سبحانه وتعالى والدماء الزكية التي سالت دفاعاً عن تلك الأرض تلبيةً للفتوى المباركة.
هذا الامر يؤكد ان المرجعية ومن يؤمن بقيادتها للامة روحياً، هي الجهة الوحيدة التي تحمل من الإخلاص والحرص ما يؤهلها لحفظ البلد من الضياع، خلافاً لما يدعيه غيرها من أرباب السياسة او ما يصدر من ضجيج يعبر عن وطنيةٍ زائفةٍ تحت مسميات المدنية والحداثة. حيث ان هاتين الفئتين قد سكنت أجراسهما وخفَتَ ضجيجهما حينما تطلب الامر دم يراق ثمناً لبلدٍ محررٍ من سطوة الإرهاب الداعشي.
بعد ان خيم شبح فيروس كورونا على جميع دول العالم وتسبب بايقاف عجلة الحياة، فلا يكاد المرء يسمع من النشرات إلخبرية غير حصيلة الوفيات وعدد الإصابات في هذا البلد او ذاك.، ما يعني إن الحصول على لقمة العيش اصبح أمرا عسيرا على المواطن بعد عجز الحكومات عن تقديم اي تسهيلات في هذا الشأن، ولهذا كان أصحاب الدخل المحدود والفقراء هم في صدارة المتظررين بسبب الاجراءات الوقائية ضد هذا الوباء.
لقد اثبت العراقيون اليوم انهم بنفس الهمة التي كانوا عليها بالأمس القريب، حيث اثبتوا للعالم أنهم نعم الرجال عند الملمات.
برهنوا على أنهم رهن اشارة مرجعيتهم ألتي لم تبخل على أبناءها بنصحٍ او إرشادٍ او توجيٍه، فها هي اليوم تطلق فتوى” التكافل الاجتماعي” بغية إيصال ما يمكن إيصاله من مساعدات لمن كانوا ضحية الفقر والعوز والحرمان ثم جاءت إجراءات العزل الصحي لتزيد الطين بلة في معاناتهم.
كما هو معتاد وإزاء كل موقف رسالي هنالك موقف لأشباه الرجال، الذين يطلون برؤوسهم من مخادع الجبن وأسرة اللامبالاة فيعيبوا على رجال الله جميل صنعهم.
الأمر لم يك غريباً، حيث ان فتوى الجهاد الكفائي، والتي يفترض انها كانت اكثر وقعاً في نفوس هؤلاء كونها حققت نتائجها بثمنٍ باهض، وهو الاف الشهداء والجرحى الذين خلف رحيلهم جيشاً من الأرامل و الأيتام، لكن الاعم الاغلب كان غير مكترث لحجم التضحيات بل متهما للمحررين الأبطال في نواياهم احيانا ومشككا في وطنيتهم أحيانا أخرى.
تعرض أبطال فتوى التكافل لنفس الاساءة التي تعرض إخوانهم ابطال الجهاد سابقا حيث اتهمهم البعض باستغلال حاجة الفقراء لاغراضٍ سياسية فضلاً عن تهمة الرياء والمتاجرة بممعاناة الناس المعوزين.
واقع الحال يؤكد ان الأمر لم يك مستغرباً، بدليل ما عاناه الرسول صلى الله عليه واله وسلم من المنافقين في عصر الرسالة، حيث كان موضوع الصدقات مجالاً خصبا ًيلج من خلاله اولئك للطعن في المخلصين من الصحابة.
لكن القرآن الكريم طالما اوضح للمؤمنين طريقهم بتاكيده أفضلية اهل الأنفاق في سبيل الله وجعلها بمنزلة من هاجر وجاهد اعلاء لكلمة تبارك وتعالى.
المجتمع اليوم مطالب بقوة يفهم اكثر عمقا لمقاصد التكافل الاجتماعي ومعرفة الغاية التي من أجلها شجعت المرجعية الدينية أبناءها على ذلك، لقطع الطريق أمام المتقولين الذين لاهم لهم سوى الطعن بالجهود الخيرة التي يقوم بها المتبرعون.
فمنهم من يعيب عدالة التوزيع والاتهام بالمحاباة اثناء التقسيم فضلا عن من يعيب المتطوعين الميسورين وكل من لبى دعوة المرجعية في حثها على اشاعة روح التكافل وتقديم المساعدةلمن يستحقها.
ان ما اشيع حول تلك الجهود المباركة من محاولات للتقليل من شانها ما هو الا تجليات حقيقية لروح النفاق التي اشتملت عليها بعض الانفس، وكأن الوصف القرآني لتلك الفئة الذي ورد في سورة التوبة واستطراده لحال المنافقين _كأنه يحكي تلك اللحظات، وهي بشرى لأبناء هذا البلد بجزيل الأجر والثواب ودعوة لهم للاستمرار بروح العطاء كونهم يمثل الجانب الايماني المشرق الذي مدحه الله تعالى في كتابه العزيز.