كورونا ينتصر على البشر بتكاثره السريع المصحوب بإنتشار أسرع , فهو يطغى على الدنيا ويغرقها بأعداده الهائلة القادرة على النفاذ في الأبدان , وإستعمار الخلايا لتحقيق المزيد من التكاثر والإنتشار.
والدول التي إنتصرت عليه هي التي تنبهت ومنذ البداية لسلوكه وأساليبه العدوانية , والتي أغفلت ذلك أصبحت ضحية للفايروس , فأخذ يفتك بوجودها ولا يعنيه مدى تطورها وتقدمها , وما هي قدراتها العسكرية والعلمية , فالكثرة وسرعة الإنتشار تنتصر على جميع القِوى.
وهذا قانون يتحكم في الصراع من أجل البقاء , فالمخلوقات الضعيفة تبقى وتتواصل بالتكاثر السريع , ومهما تم إفتراسها فأن كثرتها غالبة دوما , وهذا واضح في عالم الأسماك والفئران وغيرها من المخلوقات المعروفة.
والمخلوقات اللامرئية تمضي على ذات المنهاج الدفاعي للبقاء , فالبكتريا تتواصل لأنها مهما حاولنا أن نجد لها من مضادات حيوية , فانها تتمكن من إحداث طفرات وراثية لمقاومة ذلك المضاد , ولهذا ترانا نعيش في عالم تتنامى فيه المايكروبات المقاومة لأقوى المضادات الحيوية , والدليل على ذلك , أننا لا نزال في ؤعنيف مع عصيات كوخ التي تسبب التدرن الرئوي.
وفي عالم الفايروسات الحال كذلك , فهي ذات قدرات عالية على إحداث الطفرات الوراثية اللازمة لبقائها وعدوانها على المخلوقات المُستهدفة , وفي كل فترة تجتاح الأرض عاصفة منها تبيد الآلاف والملايين بوقت قصير , وما أن يتمكن البشر من ردعها حتى تُحدث طفرة وراثية ينجم عنها أجيال ذات عدوانية وعدوى عالية وشديدة , وهكذا دواليك تمضي مسيرة الصراع العنيف مع المخلوقات اللامرئية على مر العصور.
وبعد أن تطورت البشرية بسرعة تكنولوجية وإليكترونية خارقة , أهملت المخلوقات العدوانية اللامرئية , وأمعنت بغفلتها حتى داهمها الفايروس الكوروني الفتاك بسرعة إنتشاره وعدوانه , فوضعها أمام سلسلة من التحديات العسيرة السافرة التي تسببت بتداعيات صحية وإقتصادية مروعة.
ولن تستعيد البشرية أنفاسها إلا بعد ان تعطي ضحايا كبيرة وخسائر هائلة , ولن تتعلم الدرس وتتيقظ وتلتزم الإحتراز والعمل الجاد على منع العدوان عليها من الذي لا ترى ولا تتحسب له , أي أن البشرية ربما ستبقى عرضة لصولات عدوانية تأتيها غفلة وبغتة وتستنزف قدراتها وطاقاتها اللازمة للحياة.
فهل ستستفيق البشرية من غثيان المدنية؟!!