23 ديسمبر، 2024 7:03 ص

التقية … في زمن اللاتقية …هل نتقي يا سيدي السيستاني ؟

التقية … في زمن اللاتقية …هل نتقي يا سيدي السيستاني ؟

لم يراودني الشك يوماً من الأيام بما يقوله صادق أهل البيت (ع) عندما قال نظريته الشهيرة في حفظ الانسان في وقتٍ يستوجب فيه الحفاظ على النفس ضرورةُ مهمة لتجنب المرء بأن يرمي بنفسه للتهلكة {التقية ديني ,ودين ابائي }, والتقية هي الإظهار باللسان خلاف ما ينطوي عليه القلب حين الخوف على النفس أو المال أو العرض من الضرر،كما أنها سلاح المسلم والضُّعفاء في مقابل الاَقوياء القُساة في مواضع الخطر في حال تعرض للأذى من قبل الظالمين والأعداء إذا لم يعمل بها,فقد جاء في لسان العرب لابن منظور :وقاه الله وَقْياً ووقايةً، صانَه.. وقد توقّيتُ واتّقيت الشيءَ أتّقيه تُقىً وتقيّةً وتقاءً: حَذِرته وقوله تعالى {إلاّ أن تتّقُوا مِنهُم تُقاةً}, يجوز أن يكون مصدراً وأن يكون جمعاً، والمصدر أجوَد؛ لأنّ في القراءة ألأخرى إلاّ أن تتّقوا منهم تقيّةً.

ويرى بعض العلماء أنّ التقوى أو التقيّة لها معنيان:

الأوّل: عام،هو التحفظّ والحذر من الوقوع في المحرَّمات أو الإخلال بالواجبات ،فيجعل الإنسان بينه وبين غضب الله حاجزاً، ويتمّ ذلك بالعمل الصالح, وقد أُسند هذا المعنى في الكتاب العزيز بآيات عديدة منها :{واتّقوا اللهَ واعلَموا أنّ اللهَ مع المتّقين} ،{وتَزوَّدوا فإنّ خيرَ الزادِ التقوى، واتّقونِ يا أُولي الألباب } وهذا المعنى يشمل بمقتضى عمومه التحفّظَ عن كلّ ضرر، والاتّقاءَ مِن كلّ ضرر، والاتّقاءَ مِن كلّ ما يُخاف ويُخشى، دينيّاً كان أو دنيويّاً, والثاني: اصطلاحيّ خاص،وهو التحفّظ عن ضرر الغير،وكما ورد في ( مُعجم الفقهاء ): إظهار غير ما يَعتقد,وقايةً لنفسه مِن أذىً قد يصيبها, ويتّصف هذا المعنى بالأحكام الشرعيّة الخمس: الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة والإباحة,وتُعرَّف التقيّة عند بعض العلماء بأنّها: كتمان الحقّ وسَتر الاعتقاد فيه، ومكاتمة المخالفين وترك مُظاهَرتهم بما يُعقب ضرراً في الدين أو الدنيا ,أذكر جيداً أنّ الباري أوحى إلى آدم (ع) :قد انقضت نبوّتك، وفَنِيتْ أيّامُك، فانظر إلى اسم الله الأعظم وما علّمْتُك من الأسماء كلّها وأثَرة النبوّة وما تحتاج الناس إليه فادفعه إلى شيث، وأْمُرْه أن يَقبله بكتمان وتقيّة عن أخيه؛ لئلاّ يقتله قابيل كما قتل هابيل، فإنه سبق في علمي أن لا أُخلّيَ الأرض من عالِمٍ يُعرَف به دِيني ويكون فيه نجاة لمن تولاّه فيما بينه وبين العالِم الذي آمرُه بإظهار ديني…

فأقبَلَ قابيلُ على شيث وقال له: أين الذي دفعه إليك أبوك ممّا كان دفعه إلى هابيل ؟ فأنكر ذلك، وعلم أنّه إن أقرّ قَتلَه، فلم يَزَل شيث يُخبر العَقِبَ من ذرّيته ويُبشّرهم ببعثة نوح، ويأمرهم بالكتمان ,ولازلت أذكر رجل التقيّة الأوّل في صدر البعثة النبويّة,الرجل الصالح،والعبد المخلص الغيور.. أبو طالب بن عبد المطّلب شيخ الأباطح (رض) مارس التقيّة سُنّةً شريفة سبقه إليها الأنبياء والأوصياء ،ومارسها مبدأً رساليّاً إسلاميّاً مِن شأنه المحافظة على الرسالة والرسول، والإسلام والمسلمين، من خلال الإبقاء على وضعه الاجتماعيّ المتين السابق، ومداراة المشركين حتّى تتمّ الحُجّة بالغةً عليهم وتَقْوى شوكة الدين ويشتدّ عَضُد المؤمني,والجماعة المؤمنة التي أكرهوا عليها وهم عمار وياسر أبوه وأمه سمية وصهيب وبلال وخباب عذبوا وقتل أبو عمار وأمه وأعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا منه ثم أخبر سبحانه بذلك رسول الله ,فقال قوم كفر عمار فقال (ص) كلا أن عمارا مُليء إيمانا من قرنه إلى قدمه و اختلط الإيمان بلحمه ودمه وجاء عمار إلى رسول الله وهو يبكي فقال (ص) ما وراءك فقال شر يا رسول الله ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير فجعل رسول الله يمسح عينيه ويقول إن عادوا لك فعد لهم بما قلت ..”وقوله تعالى {إلا من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان},لكن الحسين (ع) لم يستخدمها في مقارعة الطغاة وقال لهم بصريح العبارة : اني لا ارى الموت الاسعادة والحياة مع الظالمين الا برما , لأنه كان عارفاً بخطاه وأن كربلاء تمثل له عنوان جديد سينتقل من خلالها لحياة ملؤها الكرامة والخلود ,كان باستطاعته استعمالها ويجنب نفسه وأهله وعياله وأنصاره ماجرى عليهم ,الا أنه رأى أن مداهنة الباطل ستمثل انعطافة كبيرة في تاريخ الامة الاسلامية فكان دمه الحل الوحيد والأمثل لمقارعة المستبد وكشف زيفه وافتراء سلطته التي ضللت الناس بحجج الدين الواهية,رغم أن له رأي بالتقية وهو التقية ترس المؤمن والتقية حرز المؤمن، ولا إيمان لمن لا تقية له …الا أن استعمال التقية يكون ملزماً عندما تكون سطوة الجلاد وحديد ناره يطوق عنق الاحرار ولا مفر منه ,في وقت لا نصار لهم ولا معين فبقائهم ووجودهم لنشر الوعي بين أبناء المجتمع يعد أفضل من رحيلهم في ظرف تحتاج اليهم الأمة ,وأن آليات النجاح غير مكتملة وأن كل هدف يرنوا الوصول اليه بحاجة الى تجهيز وتحضير مسبق لتفادي الفشل,وقول الشيخ المفيد (رض) : “إن التقية جائزة في الدين عند الخوف على النفس، وقد تجوز في حال دون حال للخوف على المال ولضروب من الاستصلاح، وأقول إنها قد تجب أحيانا وتكون فرضا، وتجوز أحيانا من غير وجوب، وتكون في وقت أفضل من تركها ويكون تركها أفضل وإن كان فاعلها معذورا ومعفوا عنه متفضلا عليه بترك اللوم عليها ,ومن الجَليّ أنّه إذا لم يكن خطرٌ ولا

تهديدٌ لم يكتم الاِنسانُ مبدئه وعقيدته وثوابته لم يخفي هويته فالزمان زمانه والرجال رجاله والسلطة سلطته والقرار قراره والقلم قلمه ,ما قيمة التقية وهناك من يستطيع احقاق الحق وإنصاف المظلومين ودفع الباطل وإرجاع الأمور لنصابها الصحيح,فإذا كانت الظروف جميعها تنفي الحاجة لها فالعامل بها يعد نوع من أنواع النفاق والغش والازدواج بالشخصية,ماذا نفسر وبأي تعليل نحلل العمل بها أنها خيانة للمبادئ والقيم وشعور بالخذلان والخضوع الذاتي للفرد, وأتساءل الى متى تبقى التقية شماعة تعلق عليها أخطاء الفاشلين الذين لا يستطيعون قيادة زمام الامور بالشكل الصحيح ؟ لن يفيد الندم عندما تؤول الأمور بغير طريقها الصحيح وقول الامام علي (ع) :{اغتنموا فرص الخير فإنها تمر مر السحاب }.