التقليد وكما يعرّفه الشهيد محمد الصدر(قدس سره) في منهج الصالحين الجزء الأول
(هو العمل إعتماداً على فتوى المجتهد سواء إلتزم المقلِّد في ذلك في نفسه أم لم يلتزم)
وواضح من خلال التعريف أن التقليد يكون في الفتوى!!!
والفتوى وكما يعرّفها الشهيد محمد الصدر(قدس) في منهج الصالحين الجزء الخامس بأنها (بيان الأحكام الكلية المستنبطة من أدلتها التفصيلية)
والمحصلة هي أن التقليد يكون في الفتاوى(الأحكام الشرعية الحجة)
وهذا محل إجماع الفقهاء دون إستثناء!!!
أما الموضوعات فهي غير مشمولة بالتقليد أيضا بإجماع الفقهاء دون إستثناء…
ولابد من مثالٍ لتوضيح الفكرة بعد التوكل على الله..
عندما يفتي الفقهاء بحرمة لبس الحرير من قبل الرجال (المكلَّف الذكر) فإن لهذه المسألة ولكل المسائل الشرعية جانبين:
الجانب الأول:الحكم الشرعي وهو الحرمة وهنا يأتي دور الفقيه المجتهد في بيان الحكم الشرعي عن طريق الإستدلال كما هو واضح من خلال تعريف الفتوى لأن الإستنباط من الأدلة التفصيلية هو أحد مصاديق الإستدلال…
وهذا الجانب هو من إختصاص المجتهد والذي يكون موضوعا لتقليد العوام…
لأن التقليد يكون في الأحكام
الجانب الثاني:الموضوع ويُراد منه ما يشمل موضوع الحكم الشرعي ومتعلقهِ….
ففي المثال:
موضوع الحكم الشرعي هو الرجال(المكلَّف الذكر)….
ومتعلق الحكم هو لبس الحرير…
إن تشخيص وإحراز نوع القماش وكونه حريراً طبيعيا أم لا هي من الموضوعات وبالتالي لايصح للمكلّف التقليد فيها بل لابد من إحرازها بأحد طرق الإحراز التي حددتها الشريعة المقدسة…
فالتقليد لايصح في الموضوعات بإجماع جميع الفقهاء!!!
وكما أشرتُ قبل قليل أن كل مسألة شرعية تتألف من موضوع وحكم..
إن هذه الحقيقة (التقليد في الأحكام دون الموضوعات) والتي هي محل إجماع الفقهاء تشمل مسألة التقليد بكلا نوعيه الإبتدائي والبقائي…
فالتقليد الإبتدائي هو تقليد المجتهد لأول مرة…
والتقليد البقائي هو تقليد المجتهد في حياته والإستمرار على تقليده بعد وفاته…
إن مشرعية كلا التقليدين البقائي والإبتدائي تتوقف على إجازة(فتوى) الحي الجامع للشرائط وهذه الإجازة من قبل الحي تعتمد بصورة أساسية على فتواه بخصوص كلا التقليدين!!!
وبطبيعة الحال أن لهذه المسألة جانبين هما الحكم والموضوع…
فإحراز الحكم يكون من قبل المجتهد نفسه وهذا واضح من خلال تعريف الفتوى
وإحراز الموضوع يكون من قبل العامي(الذي لم يبلغ رتبة الإجتهاد)…
وهذه الحقيقة قد غفل عنها البعض من أنصاف المتفقهين ولهذا السبب كتبت هذه السطور وهي لا تمثل وجهة نظري الخاصة بل هي ما أجمع عليه جميع الفقهاء!!!
وأكرر هذه الحقيقة من باب التأكيد أن التقليد يصح في الأحكام ولا يصح في الموضوعات!!!!!!!!
إن الحي الجامع للشرائط عندما يفتي بجواز البقاء على تقليد المجتهد الميت(التقليد البقائي) يشترط أن يكون الميت أعلم من الحي وعلى هذا الأساس ترتكز الإجازة
فإن لهذه المسألة جانبين
جانب الحكم وهو مشرعية وجواز التقليد البقائي وكما أشرت أن إحرازها يكون من قبل المجتهد والعامي يعتمد في عمله على فتوى المجتهد لأن التقليد في الأحكام…
جانب الموضوع وهو أتصاف الميت بالأعلمية أو عدم إتصافه بها وهذه هي شبهة موضوعية لا يصح للعامي التقليد فيها بل لابد أن يشخّص ويحرز الأعلمية بأحد طرق الإحراز التي حددتها الشريعة المقدسة!!!
فإن أحرز العامي الأعلمية في الميت جاز بل وجب عليه البقاء على تقليد الميت على الأحوط وجوباً طبقاً لفتوى المشهور!!!
وإن أحرز العامي أعلمية الحي وجب عليه العدول الى الحي على الأحوط وجوباً
ومحل الشاهد أن المكلّف العامي لا يقلّد الحي الجامع للشرائط في الموضوع والموضوع في هذه المسألة هي الإتصاف بالأعلمية بل لوكان يقلد الحي في الموضوع لتعذر البقاء على تقليد الميت لأن الأعم الأغلب من الفقهاء الأحياء يعتقدون بأعلميتهم!!! ولكنهم بالرغم من إعتقادهم هذا يفتون بل ويجيزون البقاء على تقليد الميت والسبب هو أن التقليد في الأحكام وليس في الموضوعات!!!
ونفس هذا الكلام ينطبق على التقليد الإبتدائي!!!
فهو أيضاً يتوقف على فتوى الحي الجامع للشرائط فإن مشهور الفقهاء يفتي بعدم الجواز وبعض الفقهاء يفتي بجواز تقليد الميت إبتداءاً بما فيهم بعض الأحياء!!!
وهي من المسائل الخلافية والقول الفصل فيها هو الرجوع الى الحي الجامع للشرائط شأنها شأن التقليد البقائي!!!
لأن الرجوع في مسألة التقليد الإبتائي الى فتوى الميت يلزم منه الدور المستحيل فضلاً عن مخالفته للإحتياط!!!
أما بالنسبة للدور فإنه يلزم منه تقليد الميت إبتداءا في ترك تقليد الميت إبتداءا
يعني أن كل من يستدل ويحتج بفتوى الميت بعدم جواز تقليد الميت إبتداءاً فهذا الإستدلال والإحتجاج باطل لأنه سوف يؤدي الى ترك تقليد الميت إبتداءاً عن طريق تقليد الميت إبتداءاً وهذا من قبيل إجتماع الضدين وهو مستحيل!!!
ولذلك فإن المسألة لابد من الرجوع فيها الى الحي الجامع للشرائط كي لا يحصل هذا الدور المستحيل
أما بالنسبة لمخالفتها للإحتياط فقد كتبت بحثاً بعنوان (التكليف قبل التقليد) وذكرت من خلاله السبب في الرجوع الى الحي الجامع للشرائط وهو العمل بالإحتياط لأن التقليد قبل التقليد مستحيل وإجتهاد العامي قبل التقليد مستحيل لأنه عامي وليس مجتهداً وبالتالي ينفتح الإحتياط في هذه المسألة وليس في عموم المسائل…
وقد إتضح أن مسألة التقليد الإبتدائي ليست إجماعية وأن القول الفصل فيها هو الرجوع الى الحي الجامع للشرائط فيها…
وخير ما يكون شاهداً ما أفتى به الشيخ الفياض (دام ظله) حيث قال في المختصر في أحكام العبادات ما نصه:
(مسألة11 يجوز تقليد الميت إبتداءاً شريطة إحراز أنه يفوق الأحياء والأموات جميعاً في العلم بأن يكون أعلم من الجميع في أحكام الشريعة)…
وهذه المسألة فيها إشارة الى جانب إحراز الموضوع!!!
ولذلك حدد الفقهاء الطرق الشرعية التي من خلالها يتسنى للمكلّف العامي إحراز الإجتهاد والأعلمية والعدالة!!!
وبعد أن عرفنا أن مسألة التقليد الإبتدائي والبقائي تتوقف على الرجوع الى الحي الجامع للشرائط (الحاكم الشرعي) آن الأوان كي نسلّط الضوء على مسألة تقليد السيد محمد الصدر(قدس) بقاءاً وإبتداءاً لأن هناك الكثير من أنصاف المتفقهين يشنون حملة شعواء على أبناء التيار الصدري بسبب بقاءهم على تقليد السيد محمد الصدر(قدس)!!!!
فبعد أن عرفنا أن التقليد في الأحكام دون الموضوعات فالمحصلة هي جواز بل وجوب البقاء على تقليد السيد محمد الصدر(قدس) لأن جميع الأحياء يفتون بمشروعية التقليد البقائي على الأحوط وجوباً إذا كان الميت أعلم من الحي وحيث أن أبناء التيار الصدري يحرزون أعلمية السيد محمد الصدر(قدس سره) فالنتيجة هي البقاء على تقليده على الأحوط وجوباً!!!! بعد أن عرفنا أنه لا يصح التقليد في الموضوعات بل لابد للمكلَّف العامي من إحرازها بأحد طرق الإحراز الشرعية!!
وليس المسألة مختصة بالسيد الحائري (دام ظله) بل هي تشمل جميع الفقهاء الأحياء…
فإن مقلدي الشهيد محمد الصدر(قدس) لو أرادوا الرجوع لأي فقيه حي فإن النتيجة واحدة وهي وجوب البقاء على تقليد السيد محمد الصدر(قدس) على الأحوط….
وبالتالي عدم جواز العدول عنه الى الحي لأنه مخالف للإحتياط الوجوبي نعم المستحدثات إن وجدت يجب الرجوع فيها الى الحي الذي قلده في البقاء على تقليد السيد محمد الصدر(قدس)!!!!
وكذلك الأمر بالنسبة للتقليد الإبتدائي فإنه يمكن القول بجوازه بناءاً على فتوى بعض الأحياء وكذلك بعض الوجوه الشرعية وقد كتبتُ عن هذا الموضوع أكثر من عشرة بحوث نُشر منها ثلاث على أمل أن تنشر البقية إذا بقيت الحياة!!!!
والحق أن أبناء التيار الصدري بمختلف مستوياتهم يعتقدون بأعلمية الشهيد محمد الصدر المطلقة وهذا يمثل جانب إحراز الموضوع وبالتالي يجوز تقليده إبتداءاً بناءاً على بعض الوجوه الشرعية وفتاوى بعض المراجع الأحياء…..
بقي أن أشير الى قول البعض من أنصاف المتفقهين وهو من المضحكات المبكيات وحاصله أن مسألة تشخيص الأعلم متعذرة على العامي وهي من إختصاص أهل الخبرة بما فيهم المجتهدين وبالتالي يرجع الأمر الى التقليد بالرغم من كونها من الموضوعات!!!!!
ويكون الجواب على هذه الشبهة بعدة أجوبة منها:
أولاً:أن الفقهاء قالوا بعدم صحة التقليد في الموضوعات مطلقاً ولم يستثنوا مسألة تشخيص الأعلم.
ثانياً:أنه يلزم من هذا القول تقليد غير المجتهد من أهل الخبرة.
ثالثاً:أن هذا القول فيه جهلٌ بالطرق الشرعية لإحراز الأعلم والتي لاتقتصر على الإختبار وحضور أبحاث الخارج كالبينة والشياع والشهرة وخبر العدل الواحد والثقة فالعامي يكفيه إحراز الإجتهاد والأعلمية بأحد هذه الطرق!!!!
رابعاً:إن هناك خلطٌ بين التقليد إصطلاحاً والتقليد لغةً لإن الإعتماد على المجتهد في تشخيص الأعلم هو ليس تقليداً بالمعنى الإصطلاحي بل يندرج تحت عنوان شهادة العدل الواحد أو الثقة من أهل الخبرة وهو أحد طرق الإحراز الشرعية إذا أوجب الإطمئنان!!!
خامساً: يلزم من هذا القول إستحالة تشخيص الأعلم إن لم يكن فيه إلغاء لبعض طرق الإحراز المعتبرة لأن الأعم الأغلب من الفقهاء الأحياء يعتقدون بأعلميتهم وهم من مصاديق أهل الخبرة يقيناً!!!
وحتى مع تساقط طرق الإحراز بسبب التعارض يكون الإطمئنان حجة في تشخيص الأعلم وهذا مما لايرضاه المعترض بهذه الشبهة لأن الصدريين لديهم إطمئنان فعلي (شخصي) بأعلمية السيد محمد الصدر(قدس) المطلقة!!!
وفي الختام أكرر ما قاله الشهيد محمد الصدر(قدس سره) لا تقولوا قولاً ولا تفعلوا فعلاً إلا بعد مراجعة الحوزة الشرريفة!!!!
وقد أجمع فقهاء الحوزة على عدم صحة التقليد في الموضوعات وإقتصاره على الأحكام الشرعية الكلية النظرية..