23 ديسمبر، 2024 1:36 م

التقريب بين المذاهب

التقريب بين المذاهب

التقريب بين المذاهب عنوان لنظرية تخبو ثم تطفو ثم تخبو وتطفو كلما استدعيت .وهذا التقريب المفترض ما هو إلا قصة خيال علمي اسلامية , والداعم الاساسي لها وبطلها المطبل النظام الايراني الذي يستغلها كوسيلة سياسية لتوسيع نفوذه لانها تضفي عليه دورا ً اكبر مما هو في حقيقته. فهذا المشروع يُمكّنه من طرح نفسه كولي امر للمذهب الجعفري الاثني عشري وكمفاوض من خلال هذا المشروع -امام المذهب الآخر – بيده ان يُقّرب بين هذه الدول وبين المذهب المسؤول عنه. لأنه هو من يمتلك تخفيف التوتر او تصعيده متى ما اراد.
ويبدو ان حب الذات هو الوقود لاستمرار هذه الفكرة فهي كحال اي نتاج بشري اخر خاضعة للغرائز الاساسية فنرجسية الفرقة الناجية تديمها فالطرفان المراد التقريب بينهما يفترض كل منهم انه على حق ومع ذلك فانه يقرر التقارب تواضعا ً. وهذا غير حقيقي إذ لا يوجد حقان بل حق واحد دائما ً فمع وجود طرفان لا شك ان احدهما اقرب للحق من الاخر.
ان هذا التقارب المزعوم لم ينجح بتوحيد صلاة العيد في مسألة اسُسها الفقهية واحدة بكل المذاهب ففشلوا باتخاذ خطوات اجرائية في مسألة هي متقاربة اصلا ً لا تحتاج الى تقارب لكن لم يتم الاتفاق على التحديد الدقيق للعيد ليكون رمز لوحدة المذاهب الاسلامية.وهذا التقارب فشل ايضا ً بالوصول الى ارض وسطى مشتركة وهي رفض اولاد البغايا – مقالة المرحوم الاستاذ اسامة انور عكاشة – وتحميلهم مسؤولية ما حصل بالتاريخ الاسلامي من سفك دماء لان الرفض لهم سيعني رفض من استوزرهم معتمدا ً على ظلمهم لتأسيس دولته اي بني امية وإسقاط الامويين لن يقف عند هذا الحد بل سيعني اسقاط من سَهّل لهم التسلط على رقاب المسلمين وهو عثمان بن عفان مما سيعني نسف نظرية الخلفاء الراشدين.اذن الموضوع برمته عبارة عن حرب خنادق ابسط قواعدها ان الصمود عند الخندق الاول افضل من الثاني .
ان دعوة مشيخة الازهر لعلماء المسلمين لتدارك الخلاف بين السنة والشيعة الذي يمزق الامة ويحول دون التفاهم بين المذهبين والتوقف عن سب الصحابة – والسب الذي كما يفهمه التوقف عن اعادة سرد الوقائع التاريخية – يذكرنا بنفس طريقة الزعماء العرب بالقفز على شعوبهم وعدم استشارتها عندما كانوا يقررون مصيرها بليلة وضحاها منها قرار جمال عبد الناصر بالوحدة مع سوريا وقرار صدام حسين ومبارك وعلي عبد الله صالح والملك حسين بإنشاء مجلس التعاون العربي.وما ثبت نجاحه مع البلدان العربية سينجح مع المذاهب وهو ان انكفاء كل مذهب على ذاته ومراجعته لموروثه سيكون اجدى وسيؤدي الى التقارب تلقائيا ًوعليه امثلة ومنها .. كان مدرس مادة الاسلامية في الموصل وهو مؤذن وخطيب جامع هناك ينتقد طواف الشيعة حول الاضرحة وانه مشابه للطواف حول الكعبة .ثم لاحقا ً التقيت بصديق شيعي يعتبر نفسه ضليع بالامور الدينية قال في رده على الشبهة التي كانت متداولة انذاك ان الطواف لا يكون كذلك ألا اذا اكتمل سبعة اشواط. وكان مقدرا  ًلهذه الشبهة ان تستمر للألفيات القادمة لولا ان هيئة الحضرة الكاظمية بزعامة السيد حسين الصدر قد استحدثت في اواسط التسعينات حاجزا ً يفصل بين الرجال والنساء خشية من الاختلاط وبذا انتهى عرضيا ً الطواف حول جميع الاضرحة الشيعية بعد ان استحسن علماؤهم المشرفين عليها هذه الخطوة وانتهت بذلك شبهة لطالما كانت تثار.كذلك مطلوب من الاخر مثلا ً ان يحجب المصداقية عما ورد في كتب تاريخه من ان النبي الاكرم اراد الانتحار [ ” وفكر في ان يلقي بنفسه من اعلى حراء او ابي قُبيس ” المصدر / حياة محمد , محمد حسين هيكل ,الفصل الخامس ص 185 ].وكذلك ما زعم انه نقل عن لسانه [” قال : قلت ان الابعد –يعني نفسه – لشاعر او مجنون! لا تحدث بها عني قريش ابدا ً لأعمدن الى حالق من الجبل فلأطرحن نفسي منه فلأقتلنها فلأستريحن ” المصدر / تاريخ الطبري 2/201 ].في حين ان الله يقول ” طه ما انزلنا عليك القران لتشقى ” فمن نصدق يا ترى!!.
ان الاختلاف ليس امر سيء بالنهاية فهو سنة الله في الحياة والتعايش معه اسهل من ان يطلب احدنا من الاخر ان يغير ملامح وجهه حتى يشبهه . ان الشيعي يؤمن بالوصية لعلي ومؤامرة السقيفة لكنه يتقبل مرغما ً ان ابو بكر افضل الناس بعد الرسول , وكذلك السني يؤمن بأسبقية ابو بكر وعمر لكنه يقبل مرغما ً دعوى الطرف الاخر انهما تآمرا على الخلافة وان فاطمة كانت على حق في ادعائها فدك.ولنا بتجارب الامم السابقة عبرة فالطوائف المسيحية تقاتلت وحاول بعضها ابادة الاخر لكنهم اخيرا ً قرروا ان يتعايشوا مع اختلافاتهم وان يتقبلوا حتى كنائس تطعن اصل دينهم فترفض الابوة وتعتقد بالوحدانية فلم يخرجوها من المسيحية. وعلينا ان نفعل الشيء ذاته ونغلق هذه الصفحات الدموية ومعها اضغاث احلام التقارب.