تعطيل العقول من أولويات الكراسي على مر العصور , فلا يجوز إعمالها , فتلك جريمة لا تغتفر , والشواهد على قتل مَن فكّر وتساءل وتدبّر لا تعد ولا تحصى.
فالسمع والطاعة قانون مطلق , ومَن لا يطيع يكون تحت رحمة السيّاف المأمور بقطع الرقاب على نطع السلطان المَهيب.
عقول الأمة لم يُسمح لها بالحرية والتفاعل العلمي إلا في فترة وجيزة من تأريخها , وفيها برزت قدراتها العلمية والمعرفية التي عبدت مسيرة الرقاء الإبداعي في ربوع البشرية.
فترة بدأها المأمون , ومن ثم إنقلب عليها بفرضه رؤية المعتزلة على الناس , وإدخاله الأمة في محنة خلق القرآن.
ومضت آلية ممنوع التفكير سارية في الواقع عبر الأجيال ولا تزال فاعلة في مجتمعاتنا , فالذي يرى غير رؤية الكرسي يُحسب من أعداء النظام , وينال القصاص الوخيم.
فالمعارضة كفر وإجرام , والرأي الآخر عدوان , والكرسي هو الرب والسلطان , وينوب عن الإله , وطاعة الكرسي مقرونة بطاعة رب العالمين.
تلك حقيقة مرعبة وقاسية , فاعلة خفية وجهرا في حياتنا , فهل يستطيع المواطن أن يقول رأيه بلا نفاق ومغالطة , وهو لا حول ولا قوة له , فلا توجد قوانين تحميه وتصون كرامته وحقوقه وتؤكد قيمته.
فالأوطان سجون , والحاكم سجّان والمواطنون أسرى أو مساجين , والجميع تحت المراقبة الشديدة , والمصير المجهول , فالقتل مباح والخطف سلاح , ومَن يسأل أو يستفهم عن حالة تأتيه زوابع الصولات المبيدة لوجوده , وكلها ثيران بيضاء والأسود مكشرة الأنياب.
فأين الحق والإنصاف , وقيمة الإنسان الساهم الحيران؟!!