ياخذ السطحيون -من المتَّهمين في عقائدهم وممن يعكسون ذلك على عقائد الغير – بعض الأقوال لعلماء معتبرين من قرون خلت اتفق اغلب اخيار الامة على عدالتهم و علمهم ثم يبداون بطعنها وهي ليست محل طعن لا لجهة صحتها وقدسيتها بل لموضوعاتها التي تنحصر في الفكر والرأي غير الملزم لعقيدة وغير المخلّ بثوابت الدين ولا يمس حكما متبِعا لدليل ولا يطرح شبهة تمس جوهر الدين ولا حتى قشرته، فإذا فتشت اقوال اولئك “المناظرين” والتي يسمونها ردودا على فلان وعلان من علماء سبقوا لن تجدها شيئا ولن ترى لها صلة بالقول القديم ولا انتفاعا بالقول الجديد ، ولكنك تجد لهم انصارا يهوّلون ويصفقون ولست متاكدا ان كانوا فقهوا ما قال صاحبهم او عرفوا مِن “ردّه” شيئا او علاقة بما ابتدأ به مناظرته الأحادية الجانب هذه أم لا ، ومن ذلك ما اوردنا من قبل في ابتداعات البعض في التفسير والرد على قدامى المفسرين وهو لا يحسن اللغة وآخر في علم الكلام والرد على اوائل المتكلمين وهو لا يدري عن المنطق وآخرين في الفقه والحديث ولم يتدرجوا في التحصيل ولم يتحصّنوا بالتنزيل ،
وهنا أمس صادفني مقطع مصوّر لرجل ملتح تبين لي لاحقا انه من مشاهير المتبوعين اليوم على وسائل التواصل الفديوي ويصنف نفسه صوفيا او هكذا عرفت من أصحابه ومتابعيه وهؤلاء ليسوا بالعوام او الجهلة او البسطاء كلهم ، بل منهم مشايخ ومعممون وطلبة علم شرعي ، فدفعني حب التعلم أن اسمعه لعلي انتفع منه فلست- وكما ارجو ان اكون- ممن يتخذ فرقة ينحاز اليها ثم يتصيد من غيرها ليهاجمهم “وهذه موضة المنتسبين لأهل العلم اليوم إلا ما ندر” فمثلي لا يبحث الا عن العلم المنطقي والمذهب العقلي المتفق مع النص النقلي من الكتاب والسنة وما صح سنده ومتنه من منهج السلف الصالح وما اجتمعت عليه الأمة دون خلاف يذكر ،
عوْدا للرجل صاحب المقطع وفي معرض “ردّه” على شيخ الإسلام في نظرته للتوحيد ، يقول ان ابن تيمية “وقد نزع منه اللقب انتقاصا” فهو يساوي نفسه به في العلم بل وسنرى انه يغمز الى التفوق عليه ، يقول انه -أي ابن تيمية-يقسّم التوحيد في معرض حديثه عن العقيدة
الى توحيد ربوبية وتوحيد الوهية وتوحيد اسماء وصفات ،
فياتي الرجل ليشتهر على اكتاف اسم الشيخ اللامع في التاريخ ، فيقول : “كيف لنا ان نقسم التوحيد وكيف للتوحيد ان يتقسم” ، فيأخذ اتباعه الى أمر يبدو وكأنه كبير جديد ذو شأن ويبدا بالتفذلك ليوحي لك انه يرد على اخطاء في هذا القول ، ومن ردوده باختصار يقول : “هل كان السلف الذي يتبعهم ابن تيمية يقولون بهذه التسميات والتصنيفات ، ثم يجيب ب لا ، فيحزن ويمتعض ثم يردف -مناقضا لنفسه دون ان يشعر- : “كل المسلمين في جميع العصور يعتقدون ان لا معبود الا الله وهذا توحيد الوهية وكلهم يعتقدون ان رب الخلق والعناية بهم هو الله فهذا توحيد ربوبية وكل المسلمين يعتقدون ان الله واحد في اسمائه وصفاته وهذا توحيد الصفات والاسماء “وهنا طبعا يكرر شرح ابن تيمية نفسه” ثم يستأنف : “فلماذا نفرض ان يعرف المسلم هذه التقسيمات”! ، يا اخي انت قبل قليل قلت انهم يعرفونها او يعتقدونها هكذا من قديم و لم يفرض عليهم احد ، ان هذا ايها الرجل يسمى رأي او منطق او تفسير او سمّه شروحات مستمدة من القران ، كما غيرها مما لم يقلها احد سابقا ثم جاء عالم ما يوما ما وقالها وهي لا تخالف دينا ولا كتابا ولا حديثا وليست هي شرط في العبادة ولا قولها وحفظها شرط في الايمان ولا عدم الاقرار بها يخرج من الملة او يبتدع في الاحكام والدين . ثم يقول : “اذا جاء احد الى الاسلام فنقول له اسلم فينطق الشهادتين فنقبلها منه بكل سهولة ويدخل الاسلام” ،
طيب ومن قال لك غير ذلك ، وما الاختراع الذي اخترعته ومالرد الذي رددته ، هل قال ابن تيمية او اي احد لا يقبل اسلامك الا اذا عرفت تقسيم التوحيد ، هل قال الامام الغزالي لا يقبل اسلامك الا اذا عرفت المسائل الاربعين ، هل قال الامام الشافعي لن يقبل اسلامك الا إذا عرفت الاصول.!
ولكن يحضرني قول لشيخ الاسلام ابن تيمية نفسه في مثل هؤلاء منذ زمن بعيد إذ قال منبها لنا ناصحا : “ليس كل من عرف الحق -اما بضرورة او بنظر- امكنه ان يحتج على من ينازعه بحجة تهديه او تقطعه ،فان مابه يعرف يعرف الانسان الحق نوع ومابه يعرفه غيره نوع ، وليس كل ماعرفه الانسان امكنه تعريف غيره به ، فلهذا كان النظر اوسع من المناظرة ، فكل ما يمكن النظر به يمكن المناظرة فيه وليس كل ما يمكن النظر فيه يمكن مناظرة كل احد به ، انتهى كلامه.
والشيخ رحمه الله لم يات ببدعة ولا نقض حكما بل عمد الى آية من الكتاب الحكيم وهي :{ رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ۚ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} ففسرها او نظر في معناها واستخلص منها اننا نوحد الله -سواء علمنا ام لم نعلم- بربوبيته “رب السموات والارض” فلا رب غيره ، وألوهيته “فاعبده واصطبر لعبادته” ولا إله غيره ، واسمائه وصفاته “هل تعلم له سميّا” أي لا شبيه له ولا مثيل ، وهذا قول لا إشكال فيه وقد قال مثله الامام علي وابن عباس رضي الله عنهما وكثيرون من مفسري القرون الاولى ولم يات ابن تيمية بجديد الا التاصيل والشرح ،
إذن هذه علوم ايها المتفذلك ، علوم وآراء ، كلام واصول وتفاسير وشروح و و ، إن خاض بها احد وهو مؤهل لها دون تعرض لثوابت الدين او تناقض مع القرآن والسنة كان بها ونعمت فهو من طلبة العلم ، وان لم يخض فلا ينقص ذلك منه ولا من دينه شيئا فيكون من عوام المسلمين كما هو الغالب ، وان علمها وعلّمها فهو من علماء المسلمين كما هو حال بعض الخواص ، وان فشل ان يكون من هؤلاء او يتبع أولئك ولم يبتعد ويكرم نفسه بالسكوت فهو من متفيقهي ومتفذلكي المسلمين كما هو حال أمثالك .