التفاوض ومكائد الحركة الصهيونية في تحريف التاريخ

التفاوض ومكائد الحركة الصهيونية في تحريف التاريخ

تتقاطع السياسة مع التاريخ في كثير من الادبيات، لكنها عند بعض الأمم تتحوّل إلى حرفة خديعة وقلب للحقائق.

ومن بين التجارب التي تستحق الوقوف عندها تجربة اليهود في التفاوض ليس كفن دبلوماسي فحسب بل كأداة ممنهجة لتحريف التاريخ وتزوير الماضي لخدمة مشاريعهم في الحاضر.

الحركة الصهيونية: تحريف التاريخ لتبرير احتلال الحاضر

اليهود عبر التاريخ لم يكونوا مجرد مفاوضين مهرة بل أتقنوا صناعة الأكاذيب التاريخية وتزييف الوثائق لخدمة مشروعهم السياسي. الحركة الصهيونية منذ ولادتها لم تبنِ فقط على القوة العسكرية بل على أسطورة تاريخية مفبركة تدّعي أن لهم حقاً إلهياً في أرض فلسطين.

لقد عملت الحركة الصهيونية بشكل دؤوب على إعادة تشكيل السردية التاريخية العالمية من خلال الإعلام والجامعات الغربية والسيطرة على مراكز الأبحاث لتثبيت روايات مختلقة عن أحقية اليهود في القدس مستندة إلى نصوص دينية تم تفسيرها بطريقة انتقائية تخدم مصالحهم السياسية.

لم تكن المفاوضات بالنسبة للصهاينة أداة للوصول إلى حل بل وسيلة لإضفاء شرعية زائفة على واقع يُفرض بالقوة.

منذ وعد بلفور إلى اتفاقيات أوسلو، لعب الإسرائيليون لعبة مزدوجة: يقدمون أنفسهم للعالم كضحايا يبحثون عن السلام بينما يبنون المستوطنات في صمت ويمسحون أثر الفلسطينيين من الخريطة.

الحركة الصهيونية لم تتوقف عند سرقة الأرض بل امتدت مكائدها إلى سرقة التاريخ ذاته. فحولوا الرواية العالمية عن العرب وفلسطين من قضية شعب تحت الاحتلال إلى صراع بين متساويين مع أن الميزان مختل من أساسه.

الفرس: أساليب التفاوض

على الطرف الآخر الفرس عبر التأريخ خاضوا معارك تفاوضية بأساليب مختلفة. عرفوا كيف يناورون ويستثمرون الوقت لصالحهم لكنهم لم يبنوا قوتهم على تزوير التاريخ. مدرسة التفاوض الإيرانية كما يبرزها السياسين الايرانيين والقيادة الدينية في العقود الاخيرة تعتمد على التكتيك المرحلي وطول النفس دون اللجوء إلى قلب الحقائق التاريخية.

إيران لم تدّعِ حقوقاً على أراضٍ لشعوب أخرى عبر تحريف الماضي بل بنت مواقفها التفاوضية على المصالح بواقع معقد وأدارت معاركها مع القوى الكبرى بحنكة وبرودة أعصاب.

 

العرب: ضحية حسن النية وسذاجة التفاوض

أما العرب فقد دخلوا ميدان التفاوض بنية طيبة لكن بأدوات ناقصة فوجدوا أنفسهم مراراً أمام خصم لا يتورع عن استغلال كل فرصة لتثبيت مكاسبه. العرب يملكون إرثاً تفاوضياً منذ أيام القبائل الجاهلية حين كان السلم يُعقد بالكلمة قبل السيف لكن في العصر الحديث تعثرت المسيرة العربية في مواجهة الخداع الغربي.

دخل العرب طاولات المفاوضات مراراً وهم يظنون أن الطرف الآخر يبحث عن حل بينما كان يستغل الوقت لفرض وقائع جديدة على الأرض. غابت الاستراتيجية الطويلة الأمد عن بعض القادة العرب وسيطر الخطاب العاطفي على حساب الرؤية الدقيقة.

خلاصة: الحق لا يُنتزع بالحسنات وحدها

الدرس الذي يقدمه الصراع الحالي في المنطقة يتجاوز حدود إيران.

اليوم يجب على العرب أن يدركوا أن التفاوض مع خصم مثل الحركة الصهيونية ليس ساحة أخلاقية بل معركة وجودية. التفاوض مع من يُتقن تزوير التاريخ يستلزم عقلية تُدرك أن الخصم لا يرحم ولا يتوقف عن الكذب إلا حين يُكشف أمام العالم.

التاريخ ليس مجرد سرد بل سلاح. والحركة الصهيونية نجحت في استخدام هذا السلاح ببراعة لتضليل العالم وسرقة الحق العربي و الفلسطيني. وإن لم يطور العرب أدواتهم الإعلامية والتفاوضية، سيبقون عالقين في مربع الدفاع عن النفس، بينما الآخرون يصنعون رواية جديدة تزاحم الحقائق وتغتالها.

في النهاية، الحق وحده لا يكفي إن لم يكن مسنوداً بعقل يفاوض بدهاء وبصوت يُعيد كتابة القصة كما هي لا كما يريدها المغتصب.

أحدث المقالات

أحدث المقالات