18 ديسمبر، 2024 10:59 م

التفاهـــــــة ذاك المرض الخفي

التفاهـــــــة ذاك المرض الخفي

مظهر التفاهة

أحيانا وأنت تتأمل لتستبين طريق الإصلاح في غبار الفساد الذي يبدو كعاصفة طينية تصادفك وأنت تقود سيارتك في طريق سريع، فتجبرك على التوقف ومحاولة الذهاب إلى جانب الطريق وتامل أنك في مأمن من سائق ارعن قرر أن يسير بذات السرعة في هذه العاصفة الهوجاء، حتما والحالة هذه لا ترجو شيئا إلا ذهاب العاصفة أو التراجع لتبقى جامدا في المنظور.

حينما تتكلم الناس وترتجل التحليل والتقرير وبراحة ضمير نجد أن هذه الظاهرة حالة من حالات التخلف، بيد أن هذا سلوك وان طغى ليبدو وكأنه ثقافة التفاهة في عصر ملئ بالتحديات، فلا يعبر في الحقيقة إلا عن فشل المنظومة العقلية والنسيان، ذات الأسباب التي أهبطت آدم من الجنة، إذن نحن لسنا أمام سلوك عادي بل فشل في التعامل مع الواقع يهبط بالقيمة الآدمية.

عناد وبلادة

الناس المتحدثة لا تعتقد أنها على صواب وإنما ترفض أن تنتقد وتثار الأنا عندها لتخطو نحو مزيد من الخطأ تلك الأنا التي هي سبب لكل خطأ بغياب فاعلية المنظومة العقلية التي تحتاج إلى المعلومة وادراك المعلومة وهضمها وتوظيفها لكي تكون الأنا الآدمية التي تبحث عن النفع وتجد ذاتها بابتسامة إنسان سعيد من عمل تقوم به أو بوعي من آخرين عندما توضح الأمور وبجهد غير ممنون وإنما هدفه أن تقدم لبارئها شهادة نجاح المنظومة العقلية التي هي جواز الدخول إلى الجنة، بانها النفس التي خلقها الله لمهمة وأحسنت المهمة وتبارك الله احسن الخالقين.

لا أتحدث هنا عن ملائكية وإنما آدمية بحسنها وسوئها بصوابها وخطئها لكن وفق قواعد الخطأ والإنابة، والضعف وسد مواطنه والا لا تتوقع من الناسك أن يكون ملاكا فهو لا يختلف عن الفاسق إلا بضبط وعقلنة أحاسيسه وسلوكه والا فالإنسان قد يتمنى أمورا كثيرة وربما يعاني منها بيد أنها خطأ وربما خطر على نظام المجتمع (كينونة الدولة والحكم)، وعلى العرف أو النظامالاجتماعي (العلاقات العامة بين الناس والمعاملات)، نوع من العناد نتيجة سوء معالجة المعلومة والواقع والبلادة الحسية.

معالم التفاهة:

الأنا من أكبر المعالم وهي التي تستدعي بقية السلبيات ظهرت أم تدابرت وراء التجمّل والتصنع الكاذب. ونلاحظ اهتمام المجتمع بالأمور المتدنية والقدوات الفارغة، وإعلاء الضحل وتسفيه العالم بل الابتعاد عنه وكانه الطاعون، ونظرة إلى أدوات التواصل الاجتماعي ستجد أن المتابعة للفراغ و الشهرة ، والعشق المرتكز على عماء، هذا ليس بالمشكلة الكبيرة لو كانت هذه الناس تحاول تطوير نفسها أو البحث في مجالات عدة ولكنها متعصبة للتفاهة وتتكلم بكل عصبية؛ اذا خالفها احد حتى من التافهين الذين يتابعون معها، شخصية بعقلية فقيرة ونفسية متوترة ولطالما يحاول البعض التترس بثقافة ما أن يبدو اكثر هدوء وتفهما لوقت ما، لكنه حقيقة يجهل حتى ما يزعم من ثقافة متبناة فالتفاهة ليست ثقافة وإنما ظاهرة فراعية لسوء استخدام المنظومة العقلية، وبالتالي تتعامل النفس مع الغرائز والواقع دون تمحيص أو استخدام المنظومة العقلية للوصول إلى ما تمليه الغرائز في تفاعلها مع الواقع.

الانجرار في جدل عقيم أينما ظهر والابتعاد عن الفكر الجاد واستثقال التفكير فيه، نوع من السطحية والكسلمع الرغبة في إيجاد مكان اجتماعي متميز ربما يمنحه شيوع السطحية، فلا تجد العامة أو النخبة أي حاجة للتطوير في اكتفاء وهمي ومكان لا ينتج عقيم.

إن علو الذات ليس نجاحا بتصفيق من يصفق ولا يدري لم يصفق أو لتطابق ما يقال على درجة تفكيره ومعرفته؛ فالنجاح يعني إنتاجا مفيدا لذا فما يعانيه معظم الناس في عصرنا هو حالة وهم والارتفاع الذي تحس به بعض النخب التي لا تتطور أو تجد نفسها عظيمة مكتفية بواقعها فارتفاعها هو كارتفاع الفقاعات فوق الغثاء، إنها المأساة الخفية للامة.

من معالم التفاهة تصور البعض انه محور الكون، وانه يريد أن تسير الأمور كما يريد فهو العالم متعالما ببعض علم وهو الذي يتآمر عليه الجميع، ولا يؤمن أن المجموع من العلماء ينتج أفضل من أوهام التفوق التي عنده، متجرد من المحبة ويتصور أن كل عمل يقدمه لابد من ثمن له أو انه منة، فلا يفكر إلا من خلال نفسه، هذه الناس تجسد التفاهة رغم أنها لو فكرت وتعاونت وحاولت أنتروض نفسها على المحبة بترويض الأنا، فإنها ستجد نفسها مهما قدمت فإنها ترتقي بالسعادة، لأنها بالنهاية ستكون ناجحة مع الناجحين

خلاصة

الحديث عن التفاهة في عصرنا لا يغطيها مقال، لكن ممكن أن تلخصها بكلمات وهي

أن أردت أن تعرف معنى التفاهة فتأمل ما حولك وابحث في نفسك لتخلصها مما لا يعجبك من الذي تراه فقد يكون قد تسلل إلى نفسك ولا يرى سلبيات أنفسهم إلا العقلاء الشجعان.