23 ديسمبر، 2024 4:21 م

التفاعل مع الخطاب القرآني

التفاعل مع الخطاب القرآني

-1-
القرآن هو خطاب الله الموجّه الى كل واحد منّا ، فكيف يتلقّاه ؟

أسأل نفسك

لو كنتَ في حضرة رئيس من الرؤساء ، ووجّه خطابه اليك ، فكيف تستقبل خطابه ؟

لاشك أنك تُرهف سمعك ، وتتجه بكل ذرة من ذرات كيانك اليه، مُصيغاً غاية الإصغاء ، محتفياً به غاية الاحتفاء …

واذا كان ذلك هو حالُك مع الرؤساء والملوك من البشر، فكيف يجب ان يكون مع ملك الملوك ، العظيم الذي لاحدّ لعظمته ، والرحيم الذي وسعت رحمتُه السماوات والارض ؟

بهذه الروح ، وبهذا النَفَس لابُدَّ ان تتلقى خطابات القرآن .

وهي آياتُ الكتاب العزيز .

انها منهاج حياة ….

وطريق يقود الى السعادة في الدنيا والنعيم في الآخرة

لايكفي ان تتعامل مع الآية الكريمة على أنها (نص مقدّس) تتبرك به، ولكنْ لاينعكس على مسارك العملي ما يدّل على التمسك بأهدابِهِ، والإفادة من معطياته وثمراتِه .

-2-

وقد روي أنَّ :

أحدهم جاء الى الرسول (ص) وقال له :

يارسول الله أقرأ عليّ شيئاً من القرآن فقرأ له الرسول (ص) قوله تعالى :

{ فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره ، ومن يعمل مثقال ذرةٍ شرّاً يره }

الزلزله 7-8

فقال الاعرابي :

حسبي حسبي

ان الرجل أدرك معنى الآيتين الكريمتين، فلن تضيع في ميزان العدل الالهي ذرة من خير ، كما انه لن تضيع ذرّة من شرّ، فالاعمال محفوظة … المواقف مسجّلة ، وعلى ضوئها يكون الثواب والعقاب .

ولو تمثل الانسان هاتين الآيتين في كلّ أعماله وأقواله لقادتاه الى أوضاع وأحوال لاتقاس بما هو عليه من حال ..!!

-3-

وجاء في التاريخ أنه :

{ لما نزل قول الله تبارك وتعالى :

” من ذا الذي يُقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له } البقرة /245

قال ابو الدحداح الأنصاري :

يارسول الله :

وان الله ليريد منا ان نقرضه ؟

قال :

نعم ياأبا الدحداح

قال :

أرني يدك يارسول الله ، فناوله الرسول يده ، فقال له أبو الدحداح :

إشهدْ يارسول الله أني أقرضتُ ربي حائطي (اي بستاني) ، وكان له بستان فيه ستمائة نخلة ، وفي البستان زوجته أم الدحداح وأولاده يسكنونه ، ثم جاء الى البستان فنادى زوجته :

يا ام الدحداح

قالت :

لبيك

قال :

اخرجي أنتِ وأولادك ، فقد أقرضتُ الله بستاني …}

وهنا لابد من وقفة قصيرة، ونحن في رحاب الآية المباركة الملهمة والباعثة على تكثيف المنطلقات نحو البر الاجتماعي ، واصطناع المعروف .

ان الله سبحانه منزّه عن الاحتياج الى أحد ، فهو الغني عن عباده ، وهم الفقراء اليه .

والتعبير ” بالقرض ” فيه ضمانة إلهية بارجاع كل ما يُبذل ويُنفق في سبيل الله ، كما أنك ملزم بارجاع ما تستقرضه من أموال اخوانك اليهم …

فلاخوف ولا قلق اذن على مصير الأموال التي تنفق في سبيل الله وفي مضمار البِّر والخير والمعروف والنفع الاجتماعي ….

وفي الخطاب ترقيق للقلوب ، وحثّ وتحريض على المبادرة للانفاق، خارج نطاق الانفاق المتعارف على النفس والأولاد والزوجة .

لابُدَّ من كسر حواجز الذات ، والانطلاق الى فضاء انساني أوسع ، ونفع أشمل ، يعم البائسين والمستضعفين والمصطلين بنيران الفاقة والحرمان، فضلاً عن المشاريع الانسانية والاجتماعية الأخرى .

ولاحظوا هنا :

التفاعل الحار من جانب إبي الدحداح الانصاري الذي لم يتأخر ساعة عن تنفيذ مادعاه اليه ربُّ العزة

وهذا التفاعل الحار ، هو دليل الايمان الراسخ ، وكاشف عن نفسه الكبيرة المحبّة للانسانية ، والتواقة لنفع الناس .

ولماذا لا تكون كأبي الدحداح في نزعته الانسانية الخيرّة ؟

واذا نهاك الشيطان ، فاكسر شوكته بالإقدام على ممارسة الخيرات لابالكف عنها … لكي تنتصر عليه وعلى نفسك الأمّارة بالسوء …

والملاحظ هنا أيضاً :

ان (أمّ الدحداح) وأولادها ، استقبلوا ما أقدم عليه ابو الدحداح ، بالرضا التام والقبول ، وسارعوا الى الخروج من البستان، وهكذا يجب ان تقف الزوجة الى جانب زوجها حين يجود بما يجود به، في مضامير البر والاحسان …

انه موقف القبول والمساندة لاموقف الرفض والمعاندة …

وما يقال في الزوجة يقال في الأولاد ، فهم قد آزروا أباهم وعاضدوه ، فهنيئاً لهم ولمن ينسج على منوالهم .

*Husseinalsadr2011@yahoo. com