22 نوفمبر، 2024 10:51 م
Search
Close this search box.

التفاؤل والتشاؤم في الصورة الضبابية للحكومة العراقية!

التفاؤل والتشاؤم في الصورة الضبابية للحكومة العراقية!

تختلف ظروف واليات ومنهجيات تشكيل الحكومة العراقية السادسة برئاسة السياسي المستقل والمفكر الاقتصادي عادل عبد المهدي عن سابقتها بجوانب متعددة، في ذات الوقت الذي تشترك معها في جملة نقاط، وبقدر ما تبدو جوانب الاختلاف، بمثابة عوامل دفع نحو اجراء تغييرات واصلاحات جوهرية من شأنها تصحيح المسارات السلبية والسياسات الخاطئة، وتطوق-ان لم تقضي على-بؤر الفساد في منظومة الدولة، فأن نقاط الاشتراك، تؤشر الى ان هناك قضايا واشكاليات لايمكن معالجتها بيسر وسهولة وخلال مراحل زمنية قصيرة.

وفيما يتعلق بشخص رئيس الوزراء الجديد، فأنه يمتلك رؤى وتصورات وافكار وحلول علمية وعملية، لمجمل ما يعانيه العراق من مشاكل وازمات ومخاطر وتحديات، لاسيما في المجالات الاقتصادية التي تبدو الاقرب الى دائرة اختصاصه ونطاق اهتمامه.

ومن خلال عشرات المقالات التي كتبها طيلة اعوام عديدة، تناول عبد المهدي مختلف القضايا والملفات، واشر الى الكثير من نقاط القوة والضعف، وشخص مواطن القصور والخلل في الهيكل الحكومي، ومنظومة الدولة على وجه العموم، والكيان الاجتماعي، وحدد مسارات الحل والعلاج.

وغالبا ما كان يكتبه عبد المهدي، يحظى بأهتمام ومتابعة نخب سياسية وفكرية وثقافية واجتماعية مختلفة، ولم تكن هناك محددات وقيود امام الرجل وهو يكتب ويتحدث ويناقش، لاسيما وانه كان في معظم الوقت خارج نطاق المواقع الرسمية والمسؤوليات الحكومية.

وبعدما تصدى لمسؤولية الموقع التنفيذي الاول في العراق-رئاسة الوزراء-وجدنا انه اسقط مجمل ما كتبه في مقالاته على مدى اعوام، على البرنامج الحكومي، بصيغة ارقام دقيقة، وخطوات واضحة، ومراحل محددة.

ويتفق الكثير من المراقبين والمتابعين، انه للمرة الاولى يظهر برنامج حكومي مفصل من مائة واحدى وعشرين صفحة، يخرج من السياقات والاطر التقليدية الانشائية، الى نطاق الارقام العلمية والمطاليب الواقعية. ولعل ذلك يعد احد ابرز ميزات وخصائص الحكومة الجديدة.

والميزة الاخرى للحكومة الجديدة، هي انها غادرت وان بصورة نسبية، التحاصص الحزبي الضيق، والاملاءات والمساومات والترضيات الصارخة، وتشكلت من فريق يبدو الى حد مقبول اقرب الى المهنية والكفاءة منه الى الحزبية الصنمية، دون ان يعني ذلك، التخلص تماما من الاطر والقوالب السابقة بالكامل، لان هناك حقائق وممارسات وسلوكيات سلبية خاطئة من الصعب بمكان تجاوزها والقفز عليها بين ليلة وضحاها.

الى جانب ذلك، فأن عبد المهدي، سواء في مرحلة تشكيل حكومته او ما بعد ذلك، حظي بدعم واسناد كبير، ارتبط في جانب منه بطبيعة شخصيته وبعده-اوابتعاده-عن دائرة التنافس والتدافع السياسي، وفي جانب اخر منه، ارتبط بطبيعة التحديات التي تواجهها البلاد، وتراكم المخاطر والاشكالات، وضرورة انتهاج مسار اخر مختلف، اذا اريد تجنب خيار الوصول الى طرق موصدة وانفاق مظلمة.

وتمثل ذلك الدعم والاسناد، بالمساحة الواسعة التي تركتها له القوى السياسية الرئيسية لتشكيل حكومته وفوق الرؤية التي يحملها، وبما يتناسب مع الاطر والمحددات التي وضعتها المرجعية الدينية، وحقائق الواقع السياسي الذي افرزت صناديق الاقتراع بعضا منها.

ومع ان القوى السياسية المختلفة لم تكن بعيدة عن مجمل اجواء وظروف اختيار الوزراء، الا انه ربما كانت هذه هي المرة الاولى التي يغيب فيها اللون الحزبي الواضح عن هوية قسم غير قليل ممن شغلوا الحقائب الوزارية في حكومة عبد المهدي.

اضف الى ذلك، فأن انتقال السلطة من العبادي الى عبد المهدي تم بسلاسة كبيرة، بعيدا عن الضغوطات والتهديدات ولي الاذرع والخصومات.

هذا اجمالا فيما يتعلق بالمعطيات الظاهرة على ارض الواقع، اما بالنسبة لما ينبغي ان يتحقق، او ما وعد وتعهد به عبد المهدي، فأنه يمثل تحديا كبيرا واختبارا صعبا للغاية لرئيس الوزراء الجديد واعضاء حكومته.

فعادل عبد المهدي، الذي كتب ونظّر كثيرا لكل مشاكل وازمات البلاد في فترات سابقة، مطلوب منه الان-لاسيما بعد ان امتلك زمام القرار والسلطة والنفوذ-ان يترجم ما كتبه الى اجراءات عملية تنعكس على حياة الناس وامنهم ورفاهيتهم، وتنعكس على مختلف مفاصل الدولة والمجتمع، وخلافا ذلك، فأن المواطن العراقي سوف يكتشف لاحقا، ان ما حصل ليس سوى تغييرا في الاسماء والمسميات والعناوين لا اكثر ولا اقل.

ما هو مطلوب من عبد المهدي، ان يفكك منظومات الفساد في مفاصل الدولة، ويوقف تمددها واستنزافها وتبديدها لخيرات وموارد البلاد، ومطلوب منه ان يضع حدا للترهل الحكومي بدءا من اعلى واقرب المستويات اليه الى ادناها، وحسنا سيفعل حينما يشرع بالامانة العامة لمجلس الوزراء ومكتب رئيس الوزراء، ليعيد تشكيلهما وفق الحاجة والضرورة، وبما ينسجم ويتوافق مع المصالح العامة، ويقلص جيوش الموظفين فيها، الذين جاء اغلبهم عبر العلاقات الحزبية والمجاملات والمصالح والتخادم.

وما هو مطلوب من عبد المهدي، ان يحدث نقلة كبيرة ونوعية وسريعة في القطاعات الخدمية الاساسية، كالماء والكهرباء والصحة والاسكان والتعليم، وان يباشر بخطط ومشاريع ناهضة في قطاعات الزراعة والصناعة والامن، وان يصحح المسارات الخاطئة في سياسات العراق الخارجية، بما يضمن عدم اقحامه في اتون الصراعات والنزاعات الاقليمية والدولية، بالشكل الذي يهدد استقلاله وسيادته ومصالحه، وكذلك تقع على رئيس الوزراء الجديد، مهمة العمل على اخراج كل القوات الاجنبية من العراق، وهذا مطلب برز مبكرا جدا الى جانب المطاليب والاستحقاقات الاخرى، حينما بدأ بعض اعضاء البرلمان تحركات لجمع تواقيع من اجل اصدار تشريع بهذا الخصوص.

ومع كل النقاط والجوانب الايجابية المشار اليها، فأن الطريق لاتبدو معبدة وسالكة امام عبد المهدي، بل ان المصاعب والتحديات والعراقيل، لن تكون قليلة ولا عابرة، ولعلنا شهدنا ملامحها وبوادرها الاولى او الاولية خلال جلسة منح الثقة لحكومته، بل ان من اتيح له ان يتابع مجريات ما خلف الكواليس، ربما سيقول، ان عبد المهدي في وضع لايحسد عليه!.

فهو-اي عبد المهدي-مهما فعل، لايمكنه الانعتاق من اجواء ومناخات المحاصصة، التي هي في واقع الحال، تمثل في جانب منها استحقاقات انتخابية، وفي جانب منها عناصر قوة قائمة على الارض، وفي جانب اخر، تعد محصلة لثقافة ومنهج سياسي تشكل بعد الاطاحة بنظام صدام، بفعل ارادات خارجية، تكرس وترسخ بقوة خلال الخمسة عشر عاما المنصرمة.

وكل ذلك يمكن تلمسه وتشخيصه، عبر اية قراءة دقيقة ومتعمقة لحيثيات وتفاصيل وظروف تشكيل الحكومة.

وبقدر ما سيكون عادل عبد المهدي مدعوما من قبل قوى سياسية مؤثرة وفاعلة، لتطبيق برنامجه الحكومي، فأنه سيجد نفسه محاصرا في بعض الاحيان، بأرادات ورغبات ومصالح تلك القوى، بخطوطها القيادية الثانية والثالثة، وهو ما سيدفعه اما الى المهادنة والمجاملة، او الى المجابهة والتصدي، وفي كلتا الحالتين، هناك استحقاقات وتبعات ومعطيات، لابد ان تترتب عليها نتائج من نوع معين.

هذه الصورة الاجمالية التي تختلط وتتداخل وتتشابك فيها ملامح التفاؤل ومؤشرات النجاح مع معالم الاحباط وهواجس الاخفاق، لن تتوضح وتتبلور الا بعد ستة شهور على أقل تقدير، لذلك من الخطأ اصدار الاحكام والتقييمات العاجلة والسريعة والانفعالية على مرحلة مازالت في بداياتها الاولى.

أحدث المقالات