18 ديسمبر، 2024 7:35 م

” التغيير”
في كل انعطافه تاريخية مرّت بها البشرية يقع نوع من أنواع التغيير.
من التغيير ما يكون وقوعه مدويّاً ومنه ما يمرُّ بسلاسة دون خسائر محسوسة.
التغيير المدوّي قد يكون دمويّاً وترافقه تضحيات كبيرة في الأرواح والممتلكات.
التغيير السلس يحدث عادة في سياق تطوري سلمي وهادئ تقود إليه تطورات مسيرة التاريخ على الأصعدة كافة وفي زمان ممتد متواصل.
التغيير المدوي الدموي غالباً ما يكون نتيجةً لأحداث مخطط لها ومرسومة عمليات تنفيذها وتلك يغلب عليها طابع الانقلابات العسكرية او ما تسمى بالثورات.
التغبير الثوري هذا يؤدي حتما الى سقوط أنظمة سياسية وانبثاق أنظمة بديلة على أنقاضها.
بإمكان ثوار هذا التغيير قيادة تغييرات كبيرة في بنيان الدولة والمجتمع والاقتصاد والثقافة تتماشى كما هو مفترض مع حاجات البلاد وتطلعاتها التي (وكما يظن ) أنها قمعت من قبل النظام الذي سبق.
التغيير الهادئ السلس يمكن ان تقوم به السلطات القائمة ذاتها أو أن تجري تغييرات في تركيبة السلطة فيأتي من يحقق تغييرات برامجية متوالية دونما خسائر لكنها تقود الى النتائج ذاتها التي يحققها الانقلاب الدموي.
نحن ميّالون بكل تأكيد إلى التغيير السلمي الديمقراطي الحضاري.
لذلك نحن لا نتردد في تأييد أي حراك جماهيري شعبي يعمل على تغيير السلطة بالسبل السلمية مثل التظاهرات والانتخابات والحوار ومحاربة الفكرة بالفكرة.
في كل الحالات نرفض رفضا قاطعا لا تراجع عنه الانقلابات والعمليات المسلحة التي ترافقها عادةً أحداث إجراميه دموية مهما تحجج القائمون بها بدواعٍ ثورية بطولية ودينية وغيرها من تعليلات باطلة وقد تكون خرافية تبرر قتل الإنسان وتدمير ممتلكات الدولة والأفراد والمجتمع.
مع كل حركة تغييرية هناك متضررون وهناك مستفيدون.
المتضررون سيقفون في وجه التغيير حتما وسيتمردون عليه بشتى السبل بما في ذلك مقاومته بالسلاح او بالتحريض وبافتعال الأزمات والمشاكل.
المستفيدون من التغيير سيدافعون عنه ويصطفون إلى جانبه ويدعمونه لان فيه مصالحهم.
موقف الرجل السياسي الوطني الشريف والغيور هو كالتالي؛
اذا كان التغيير لصالح الوطن والشعب فعليه تأييده وان يدعمه ويسانده ويحشد الآراء والمواقف لصالح هذا التغيير. واكثر من ذلك عليه ان يناصر هذا التغيير بآرائه ومقترحاته ومشورته.
أما اذا كان التغيير انتكاسة تاريخية ( وهي ممكنة دائما) او ردّة عن التقدم او توقفاً عن السير الى الأمام فعلينا رفضه والتصدي له بما ملكت أيادينا ( ما عدا العنف ) وفضحه والكشف عن أسبابه وتعرية غاياته وارتباطاته.
لماذا نرفض العنف في أي حركة تغيير؟ السبب هو أن الفارق بين الإنسان والحيوان هو منطق القوة. وما ارجحيه الإنسان على الحيوان الا في لجوئه دائما الى منطق العقل.
هنا تتحقق آدمية الإنسان ويتميز عن وحشية الحيوان وهمجيته.
ناهيك عن ان خسائر العنف هائلة لا يمكن تعويضها لاسيما عندما تكون في الارواح والبنية التحتية للدولة والمجتمع.
والرأي السليم هو هذا الذي يقول ان الأهداف النبيلة يمكن ان ينالها المجتمع بالطرق السلمية كما يمكن أن يحققها بالقوة.
لكن القوة سترافقها خسائر كبيرة لا تعوض ولا تقع في التغيير السلمي.
وفي منطق القوة يفرض القائمون على التغيير أفكارهم وسياساتهم على الناس بالقوة بحجة الثورة.
في حين طرق الحوار والدعم الجماهيري والتغيير السلمي متاحة ومقبولة أكثر ومن سيدعمك فيها سيكون مسؤولا معك عن النتائج.
ولقد علمتنا أحداث التاريخ لاسيما تلك المنعطفات الكبرى التي سميت بالثورات انها ستنتكس يوما ما وتنهار لأنها غير مبنية على أسس قوية وراسخة.
السياسي الكيس والمحترم هو الذي يؤمن بالتغيير وبضرورة التغيير ويحترم نتائجه ويعترف بها بل وعليه الوقوف الى جانبه وعليه مراجعة نفسه لماذا وقف ويقف خارج مساحات التغيير؟.