مشكلتنا الحقيقة تكمن في نوازع التكتل…! ومباني ألاعتقاد..! وليس في سبل الطرح والإسترشاد ….!
فمثلاً عندما يدعوا طرحك لفكرة متفق عليها، بعيدة عن الخلاف والإختلاف، يقودك الراد فيها الى خارج محيط الفكرة والحدث..! ليبحث له عن ثأر أو نصرٍ زائف يصطنعه مع نفسه..! يريح به هواجسه ومكامن غيضه وعواطفه..!
فتجده فارسا متاجرا بلسانه ويده …! مسترزق صواع عواطفه ودراهم سيده..! مستجرماً أدنى مراتب الإنسانية..!
رعديد سفاك للكلم الطيب… وقتال للأخلاق الحميدة … شاهرا لسانه أشد حدة من باشق حسام، مرتجزاً في فضاء الجدل والحماقة، فيما يختلف رأيك معه ويعاكس رأيه فيك…
بعيداً عن الجدل والخلاف، كلنا يؤمن بمبدأ التغيير، بالرغم من وحدوية المصطلح وثوابته، وصفته بأنه عدد لا يقبل القسمة على اثنين، ولكن وللأسف ايماننا به يختلف لدرجة التقاطع..! بما يشبه إختلاف الأديان من حيث الأيمان بمبدأ الثواب والعقاب، “فلكل حي مطربة..! وعلى ليلى يغني الجميع”..
جدلنا حول التغيير أساسه ينشأ من صراع ..! فكيف لنا أن نحول ذلك الصراع الى إتفاق نقود به التغيير..؟ ويكمن الصراع هنا في نقطتين أساسيتين لا ثالثة بعدهما..
• الصراع في فهم :كيف ..وأين.. ومتى .. يبدأ التغيير..؟ وهنا تكمن مشكلة تنازع الشعوب والمجتمعات، فيما بينها والحكومات من جهة وما بينها والبين من جهة أُخرى..! فيقول هنا “محمد الغزالي”: (أن العمل الصعب هو تغيير الشعوب..! أما تغيير الحكومات فإنه يقع تلقائياً عندما تريد الشعوب ذلك).
• الصراع في الإتفاق حول من يقود ثورة التغيير..! وهنا تكمن مشكلة القادة التي تُسيير عجلة الجماهير، وتروض جموح اتباعهم أما بالعاطفة والولاء عن جهل..! أو بالعقل والعقيدة عن فكر، كيف لنا أن نؤمن بــ “محمد” بلا معجزة..؟! أو “علي” بلا عصمة..؟ أو “غاندي” بلا كفاح..؟ أو “مانديلا” بلا ثورة..؟ او “زايد” بلا مصداقية وأموال..!
مع فرض الجدل حول التسليم بالصراع من عدمه، ولو أتينا الى الوضع المزري في العراق، ماذا نحتاج لكي نبدأ أول خطوة نحو التغيير ليتسنى احلاله تباعاً..؟ هل نحن قادرين على أن نكون مثل دولة “ماليزيا”..؟ التي يقول فيها الكاتب “احمد الشقيري” بأنها قادت انقلاب التغيير بواسطة جيل واحد..! أي بفترة 25 عام فقط…! أم إن الصراع الذي نشأ فينا أو أنشأه من حولنا فينا..! حول آلية التغيير وشخصنة قائده، الى مشكلة مستعصية الحل..! قد انهكت قوانا وأماتت العزيمة بداخلنا، وأبعدتنا غاية البعد من محاولة التفكير في ممارسة خطوات التغيير بواسطة مع من نختلف معه فكرياً أو قلبياً …!
فيما لو إستطعنا تفكيك التساؤلات الواردة سابقا، يمكننا بعدها أن نتكلم عن ممارسة خطوات التغيير في العراق، فمثلاً للسؤال الذي يقول: كيف ومتى وأين يبدأ التغيير..؟
يجيبنا المفكر “أندي وارول” بقوله ” أبدأ التغيير من نفسك.. وكن أنت دائرة التغيير التي تتسع شيئا فشيئا لتعم الجميع من حولك” ثم يقول الكاتب “تولستوي”:”الجميع يفكر في تغيير المحيط ..! ولكن لا أحد يفكر بتغيير نفسه”..! وعندما تكلمت المرجعية العليا هنا عن رياح التغيير، كان خطابها جدا واضح بأن يكون التغيير من داخل الشخص في المجتمع، وذلك عبر صناديق الاقتراع التي ستغيير مسار البلد، فيما لو غير المواطن العراقي ما بداخله، وتخلى عن النزعة والطائفية والتحزب، وغلب مفهوم المواطنة والضمير..!
قد لا تكون مشكلة المجتمع العراقي، في آلية وسبل التغيير، بقدر أحتياجه الى من يؤمن له تلك المباني، بأن يقنع الشعب وعلى إختلاف قومياته ومذاهبه ومكوناته وتياراته، بأن التغيير يبدأ من حيث الجماهير بصورة عامة، والمواطن بصورة خاصة…! وإن يعطيه الثقة بنفس المواطن، بأنه لا يحتاج الى من سيقود التغيير إذا ما كان هو عازم على ذلك بداخله ..! وعلى المجتمع أن يعي أيضا بأنه قادر على صناعة الحكومة التي يطمح لها، متى وكيف ما يشاء…!
الكذبة التي أطلقها الشعب مع نفسه، وصدقها فيما بعد..! بأنه “لم يجد القائد المناسب، الذي يتمتع بصفة المقبولية والوسطية لدى جميع الأطراف، ليقود دفة التغيير في العراق”، في حين إن الشعب يؤمن ويتلوا في القرأن الذي يقول” لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” فهنا تناقض واضح بين مطالبته بالتغيير وإيمانه به..! وهذا لا يعني بأننا لا نحتاج الى قيادة سليمة تتمتع بمصداقية العمل، بل إن وظيفة القائد تكمن بالمحافظة على جادة وطريق التغيير بالشكل الصحيح، شرط أن تجتمع إرادة الجماهير، على أيجاده وزرع بذرته في المجتمع، والعمل على تنشأته بالقوة والصلابة، التي تتيح تغير المسار نحو الافضل..