يؤكد خبراء الطبيعة وعلم الحيوان ان النسر حينما يصل الى عمر الأربعين؛ يضعف وتبدو بوادر هذا الضعف بريشه الذي اصبح ثقيلاً كما يضعف منقاره؛ ممّا يجعله غير قادرٍ على الطيران أو حتّى على التهام فريسته؛ فيطير إلى قمّة عالية، ويضرب منقاره بصخرة قوية حتّى يكسره، وينتف ريشه؛ ورغم ذلك يبقى على قيد الحياة، وبعد مئة وخمسين يوماً من المعاناة في ظل تلك الظروف القاسية التي يعيشها النسر ينمو ريشه من جديد، ويعود منقاره قوياً كما كان، ويعيش ثلاثون عاماً جديدة. وما تسمى ولادة جديدة للنسر . ولو فضل البقاء على حاله لمات في تلك السن . ولكن على الرغم من صعوبة المهمة ، فقد كان يؤمن بالحياة . ولهذا عاش بعد عملية التغيير حياة جديدة وطويلة . وكذلك الحال لدى بعض الحيوانات ، مثل الافعى التي تغيير جلدها كل مدة زمنية . وغيرها من الحيوانات ، التي عدت التغيير ضرورة حياتية .
وكذلك نجد الحالة نفسها ، لدى الانسان ، فهو ينشد الانتقال من الحالة الراهنة ، الى حالة مستقبلية منشودة . والفرد الذي لايتمتع بروحية التغيير ، يعد فردا جامدا او ساكنا كالماء الآسن . ولهذا نرى بعض الشعوب ، والامم ، تنشد التغيير ، وترفض الجمود في حياتها ، دون تغيير يأتي بحياة افضل . والتاريخ يخبرنا ، ان ثورات صناعية ، واجتماعية ، وسياسية ، حدثت ، وتحدث حاليا في العالم ، هدفها التغيير والتطوير نحو الافضل . وتأبى كثير من الشعوب على نفسها ، العيش في ظل ظروف منحرفة عن قوانين الحياة السليمة . فكم من ثورة غيرت التاريخ ، وغيرت معها نمط معيشة شعب نحو الاحسن .
واليوم .. نشاهد ، ونسمع عن انقلابات ، وثورات ، تقوم بها المجتمعات ، للتخلص من انظمة سياسية فاسدة لاتلبي طموحاتها تنشد التغيير بأرادة قوية ، وصلبة ، واستطاعت من تلقين حكوماتها ، درسا بليغا ، وقاسيا . وقامت برمي حكوماتها ، وبرلماناتها ، في حاويات الازبال والقمامة . وبعضها اجبرت انظمتها السياسية ، على تغيير القوانين ، والتشريعات ، واستبدالها بتشريعات تسهل الحياة ، وتجعلها افضل .
وفي العراق ، غابت قيم التغيير عن الشعب العراقي ، لعقود من الزمن ، بعد ان تلاقفته انظمة الدكتاتورية ، وانظمة فاسدة . فجعلت من ارادة هذا الشعب مغيبة ، في ذهنية المواطن ، وغير قادرة على تغيير الاوضاع . ولعقود من الزمن ، ظل هذا الشعب ” سجين الصمت ” ، لاصوت له ، ولا ارادة . على الرغم انه شعب ، يحمل تاريخ عظيم ، وشعب عريق ، معروف بصولاته . ويذكرني هذا الامر ، بقصة الفيل الذي كبله سيده بسلاسل من حديد . فكلما حاول هذا الفيل ، تحرير نفسه من تلك السلاسل ، لايستطيع . وظل على تلك الحال مدة طويلة ، عاجزا عن تحرير نفسه . وذات مرة ، قام صاحب الفيل ، بتغيير السلاسل الحديدية ، بحبال ضعيفة ، دون ان يدري الفيل بذلك . ورغم ضخامة جسد الفيل ، وقوته ، بأستطاعته من قطع الحبال الواهية . لكن الفيل تبرمج على الوضع السابق بأن محاولاته ستبوء بالفشل .
نستنتج من ذلك ، اننا كشعب لدينا قدرات كبيرة ، كامنة في اعماق نفوسنا ، لاتحتاج سوى اطلاقها ، وتحريرها من القيد الوهمي ، والاصرار على التغيير المطلوب ، والمداومة على المطاليب ، لتحقيق الهدف المنشود . ولهذا دعت المرجعية الدينية ، الى مواصلة الاحتجاجات ، دون توقف حتى يحدث التغيير نحو الافضل بحكومة تشعر بمعاناة الشعب وتطلعاته الكبيرة في مستقبل يحفظ الشعب واجياله القادمة.