18 ديسمبر، 2024 7:51 م

الروتينية في العملية السياسية العراقية، سببت حالةً من الإنجماد السياسي الضار، الذي أدى للوقوف بوجه تقدم الدولة وتطورها، وكان عائقاً أمام عملية البناء، فبقاء ذات التيارات والوجوه السياسية، متسيدةً على السلطة، ومحتكرة المناصب التنفيذية الهامة لنفسها، سبب فشلاً سياسياً كبيراً في العملية الجديدة (مابعد الديكتاتورية)، الأمر الذي تضرر منه المواطن العراقي ورفضه.

لاشكَ ان قتل هذه الروتينية، والعمل على توليد تيارات ووجوه سياسية جديدة، وطاقات فاعلة قادرة، سيقضي على الفشل، وينتج النجاح، وهو بكل الأحوال استجابةً لإرادة شعب، وتنفيذاً لطلباته ومايريد.

خروج الحكيم من المجلس الأعلى الإسلامي، والإعلان عن ولادة تيار الحكمة الوطني، لأسباب منها رفضه لترشيح وجوه قديمة لإدارة الحكومة -كما يُقال-، ولرؤيته بضرورة تمكين طاقات شبابية جديدة، من الوارد أن يُعد من أولى بادرات بناء عملية سياسية ناجحة، تتمكن من تثبيت أسس الديمقراطية الصحيحة، في الدولة العراقية.

الخطوة مثلت لبعض القوى والشخصيات السياسية، صدمة موجعة، لأنها خلخلت الروتينية وهددتها، فالبعض تخوف على مستقبله السياسي، ورآها مهددة لبقاءه وتسيده على السلطة، ومنهية لأحلام الاستمرارية باحتكار المناصب وتبادلها حتى النهاية، التزعزع الذي سببته خطوة الخروج والتأسيس، يوضح إننا سنشهد بالقريب العاجل تغيراً وتجدداً في العملية السياسية برمتها، وغالباً مايكون للتجديد من تأثير إيجابي في ما يراد ويتم تجديده.

عُرف عن الحكيم أنه صاحب مشروع، لاشعار، وهذا أبرز مايختلف به عن الآخرين في العملية السياسية، فإن تمكن من جذب الناس إليه لمشروعه، سيسهم بالقضاء على حالة أصابت الشعب و افقدته وعيه، وجعلته يناصر الأشخاص والتيارات لشعاراتهم وهتافاتهم، لا لرؤاهم ومشاريعهم، فإن ادرك الشعب معنى المشروع، وميز بينه وبين الشعار، واختاره، فسيعني ذلك ان تغييراً كبيراً سيحدث في المجتمع وفي الحكومة بنفس الوقت.

لقد ساهمت العواطف الطائفية والمذهبية، بوصول الشخصيات الفاشلة إلى مواقع مسؤولية حساسة، ماكان يجب أن يصل أمثالهم إليها، لأن استغلال تلك العواطف، بالخطابات والمهاترات، وتصوير النفس على أنها مدافعة عن المذهب وحامية له، جعلت كثيراً من المواطنين يختارون بعض الشخصيات انخداعاً بخطاباتهم وعلو صوتهم.. لذا مايدعو ويعمل عليه عمار الحكيم لتعزيز مبدأ المواطنة، وتفضيل الانتماء للوطن على بقية الانتماءات، قد يصب بصالح عملية التغيير أيضاً، فاختيار الشخص على اساس وطنيته وقدرته، بدلاً من اختياره على أساس مذهبه وايدلوجيته، قادر على انهاء إحدى أقسى المشكلات التي تعرض العراق الجديد اليها: الطائفية.

من الممكن أن يكون التيار الجديد، هو البادئ بانهاء ظاهرة التمثيل الطائفي والديني، في الساحة السياسية، فجميعاً نعرف أن اغلب واكبر الاحزاب والقوى التي قادت العملية السياسية في العراق بعد ٢٠٠٣ أُسست على اساس طائفي مذهبي، أو ديني، وكان الحزب منهم لايقبل في صفوفه إلا إبن مذهبه وعقيدته، بينما تفتح الحكمة أبواب الإنتماء إليها أمام جميع العراقيين، بكافة تلاوينهم -كما أعلن عن ذلك رئيسها- كما أن بعض المصادر تشير، الى ان هناك عملاً وسعي جاد لأن يكون في الهيئة العامة للتيار؛ اعضاء من الصابئة والسُنة والشيعة، والكورد والمسيح وغيرهم، بمعنى انها ستحوي على اعضاء من جميع الطوائف والقوميات والديانات العراقية، وارى ان هذا سيغير التحالف الوطني الأكبر في العراق، لوجود الحكمة فيه، من تحالف مذهبي طائفي، إلى تحالف وطني حقاً، فيه اعضاء من جميع مكونات الشعب العراقي، وهذا ماقد يُعتبر خطوة حقة لانهاء المحاصصة الطائفية التي كرهها الشعب.. ولا حاجة لذكر فائدة القضاء على ظاهرة التمثيل الطائفي او المحاصصة الطائفية، فهي واضحة لدى الجميع، وهي أُمنية للكثير في هذه البلاد.

الحكمة برأيي ستسهم كثيراً بعملية التغيير في العراق، في جميع المفاصل، وهذا واقع بدأ الحدوث منذ لحظة الاعلان، وحتى انقضاء شهر على يوم التأسيس، فالأحداث وردات الفعل تثبت ذلك وتؤكده، ومن الواضح أننا سنرى تغييراً كبيراً وشاملاً، فإن صدَقوا باهدافهم فعلاً، واستمروا بالعمل على النهج الذي يعملون عليه الان، ارى أنهم سيحققون نجاحاً سياسياً كبيراً لكيانهم ونفسهم، يؤثر إيجابياً كثيراً على المواطنين، وقد يساهم في بناء دولة المؤسسات العصرية.