18 ديسمبر، 2024 10:56 م

التغيير الممكن في العراق، حقيقة أم خيال

التغيير الممكن في العراق، حقيقة أم خيال

حين يسألك سائل: “هل هناك قدرة للأحزاب المدنية على منافسة أحزاب الإسلام السياسي في العراق انطلاقا من الجدل الذي يثيره حزب 25 أكتوبر؟، وهل حقا العراقيون اقتنعوا بالعلمانية التي يتبناها الحزب، بعد سنوات من الفشل والفساد”، لابد أن يكون جوابك، وعلى الفور، (نعم)، و (لا).

نعم، إذا أمكن تخليص العراق من واقع التفجيرات والاغتيالات والاختلاسات والتحديات التي يطلقها مسلحون يحملون سلاح الدولة ويرتدون ثيابها ويتجولون بمركباتها المصفحة.

ولا، لأن الوضع السياسي في العراق هو وحيدٌ من نوعه في المنطقة، وربما في العالم، في فوضاه القيمية والأخلاقية والسياسية والاقتصادية والدينية والعرقية والطائفية المعقدة المتراكبة المتداخلة، وهذا ما يجعل مهمة أي شخص أو حزب أو فكر يهدف لتغيير المعادلة أصعب من إدخال جمل في خرم إبرة.

فالشعب العراقي اليوم، ثلاثة. شعبٌ مع انتفاضة تشرين وشبابها وقيمها وأهدافها وأحلامها، قلبا وقالبا ومستعد لتحمل المزيد من الشهداء والمصابين والمختطفين والمهددين، ومع طبيعتها العلمانية الديمقراطية الوحيدة اللازمة لإحداث الانقلاب المطلوب الذي ينهي حالة الفلتان والتخلف والفوضى والفشل والفساد، ولكنه شعب أعزل لا يملك السلطة ولا المال، وتتآمر عليه وتتآلف ضد نجاح انتفاضته الأحزابُ والمليشيات والحكومة، من الداخل، وسفارات وأجهزة مخابرات أجنبية عديدة قوية غنية، من الخارج.

وشعبٌ آخر حائر أو خائف من سلاح الملثمين الغدار، ويحرص على أن يكتم حبه الحقيقي المنحاز إلى شعب الانتفاضة، من أجل الحفاظ على ما بين يديه من لقمة عيش، ولسانُ حاله يقول، العين بصيرة واليد قصيرة، ورحم الله من عرف حده فوقف عنده.

أما الشعب الثالث فهو الأقوى والأغنى الممسكُ بالسلاح الوقح المنفلت، ولكن المتغطي بالدولة وشرعيتها وملابسها، والمموَّل من وزارة دفاعها، والقادر على أن يتحدى ويهين ويهدد ويسخر من أي مسؤول عسكري أومدني كبير أو صغير دون أن يتمكن أحد من معاقبته، ناهيك عن مساءلته، حتى لو كان ذلك الأحد هو القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء، نفسَه، وليس سواه.

وما يلخص حقيقة أحوال الدولة العراقية المعاصرة هو الانفجارُ الأخير في عاصمتها بغداد الذي مزق أجساد 32 شهيدا، وخلف  110 جرحى، والذي اعترف، في أعقابه، اللواء تحسين الخفاجي الناطق باسم قيادة العمليات المشتركة بأن “الأجهزة الأمنية العراقية أحبطت الكثير من العمليات الإرهابية، وأن التحقيقات مستمرة لمعرفة من ساعد الانتحاريين”.

وبالمناسبة فإن هذه المجزرة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، ما دامت هناك داعش، وما دامت هناك فصائل مسلحة ارتكبت وترتكب مجازر ومظالم في بغداد والمحافظات ولها ألف عدو ومنتقم يترصّدها ويريد أن يثأر منها بأية وسيلة وأي سلاح.  

وعطفا على سؤال السائل عن حزب 25 أكتوبر لابد من الاعتراف بأنه أو غيره من أحزاب تتغطى برداء الانتفاضة قادرٌ، فعلا، على قلب الطاولة على جبابرة العملية السياسية الحالية التي يدعمها ويحميها المستعمر الإيراني، علنا وبقوة ووضوح، لو ضمن تأييد الملايين العراقية الشعبية الناقمة الصامتة، وألهمها الشجاعة والإقدام وعلمها تحدي المعوقات وتحمُلَ التضحيات واقتحام صناديق الاقتراع، ثم لو ضمنت حكومة مصطفى الكاظمي ما يلزم من ظروف أمن وحماية تحافظ على سلامة المرشح المتحدي الداعي إلى التحرير ثم إلى التغيير، وكذلك سلامة الناخب الذي يرفض بيع صوته بالمال أو يخشى المسلح الملثم اللئيم.

هذا من حيث المباديء والقيم والظروف السياسية والأمنية فقط. أما من ناحية القواعد والأنظمة الفنية المتعلقة بعملية الانتخاب فإن الصيغة التي قررتها المفوضية العليا للانتخابات، وهي وليدة أحزاب السلطة المسلحة بالمليشيات، لا تعني سوى أنها كمين منصوب لحصر القدرة على الفوز في الانتخابات القادمة بالأحزاب والكيانات الكبيرة، فقط لا غير.

فبموجب هذا النظام العجيب الغريب يترتب على أي حزب أو تكتل يريد الفوز بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية أن يضع مرشحا واحدا، على الأقل، يمثله في نصف عدد الدوائر الانتخابية البالغة 83 في عموم العراق، إن لم نقل في جميعها.

وتفرض المفوضية على كل مرشح أن يدفع مبلغ 5 ملايين دينار عراقي كتأمينات لا تُسترد، ورسوم أخرى بدل نفقات التحقق من صلاحية المرشح، ناهيك عن نفقات الدعاية والحماية والسفر والتنقل وغيرها، وهو سد منيع لا تستطيع عبوره سوى الحيتان الكبيرة وحدها.

أما الأحزاب المنافسة المولودة في حضن الانتفاضة والتي أعلنت عن تصميمها على دخول الحرب المقبلة مع أحزاب السلطة فأمرها عجيب وغريب ومثير للتساؤلات والشكوك لو امتلكت الإمكانات المالية والأمنية الكافية الضرورية المطلوبة لتأمين سلامتها وقدرتها على المنافسة في انتخابات عراقية تُجرى في دولة يقودها واحد كمصطفى الكاظمي، ضعيف، متردد، مرة  مع المتظاهرين وأخرى مع قتلة المتظاهرين، وسيسألها الناخب العراقي النزيه المستقل المُطالَب بأن يمنحها صوته: من أين لكِ هذا؟.

أما إذا لم تملك المال الكافي ولا الحماية الكافية ولا القدرة على ضمان نزاهة الانتخابات فكل ما تعد به وتروج له ليس سوى ضرب من الخيال.

نعم، إن هذه نظرة تشاؤمية مزعجة، ولكن الواقع العراقي الحقيقي لا يسمح بغيرها. فكل تغيير لابد أن يأتي بعد أن يتحقق التحرير. 

وما دامت إيران هي الحاكمة بأمرها، والحامية لجحافل التفجير والاغتيال والاختلاس، فلن تستطيع أية قوة محلية، أيا كانت وأياً كان شكلها وأصلها وفصلها، أن تُخرج الوطن من بئره المظلم الحالي بقوتها الذاتية وحدها.

وكان المؤمل أن تتمخض معارك  الصراع الأليم بين نظام الولي الفقيه والراحل ترمب عن تخليص العراقيين من حَلاّبهم وسَرّاقهم ومُذِلهم ومُهين أرضهم وتاريخهم ومُصادِر حريتهم وكراماتهم. أما وقد سقط، وجاء خلَفُه الديمقراطي بايدن فلا يبدو أنه سيكون أرحم عليها، فقد أعلن وزير الخارجية الأميركي الجديد أنتوني بلينكن أن ادارة بايدن قررت إشراك إسرائيل ودول الخليج العربي في المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني، و” إن “أنشطة إيران التدميرية وبرامج الصواريخ يجب أن تؤخذ في الاعتبار.

ومن جانبها قالت المتحدثة الجديدة باسم البيت الأبيض جين ساكي إن الرئيس جو بايدن يعتزم زيادة القيود على برنامج النووي الإيراني، ومعالجة القضايا الأخرى المثيرة للقلق من خلال الدبلوماسية“.  وأكدت أن “على إيران الالتزام بالقيود الكبيرة المنصوص عليها في الاتفاق النووي”. وما على العراقيين سوى الترقب والانتظار، ولكل حادث حديث.