22 ديسمبر، 2024 10:35 م

التعليم في زمن الكورونا وما بعده

التعليم في زمن الكورونا وما بعده

إن وباء أو جائحة كورونا قد أجبر ملايين الناس في كل بقاع الأرض تقريبا على البقاء في بيوتهم ، وقد تسبب ذلك في انقطاع الطلاب عن الدوام في مدارسهم ومعاهدهم ، ولكنه بالمقابل منحهم فرصة التعلم الالكتروني عن بعد ، لتعذر مواصلة الدراسة في المدارس والجامعات . كما اصبح بإمكان العمال والموظفين التدرب في منازلهم عن طريق الانترنت .

الفروقات الفردية
وفي الحقيقة ان هذا النمط من التعليم والتدريب ليس جديدا فقد سبق وان اثبتت النظريات التربوية الحديثة وجود فروقات فردية بين المتعلمين ليس لانهم قادمون من بيئات مختلفة فقط ، وانما لكون انماط التعليم والقدرات الذاتية للمتعلم مختلفة ايضا .
في تكنولوجيا التعليم والتدريب لوحظ ان التعليم التقليدي الذي يضم صفوفا لعدد من الطلاب والقاء المحاضرات عليهم لايؤدي الغرض التعليمي بشكل متساوي بين الطلاب . حيث هناك مستويات عالية للتعلم ومستويات منخفضة . فإذا قدمت معلومات ومواد عالية المستوى سيحرم منها بعض الطلاب لعدم استيعابهم لها بسهولة . أما اذا اعطيتها على المستوى التعليمي المنخفض ، فسيلحق الغبن بالطالب عالي التقبل ، ويؤخر عملية تعليمه . أما إذا أعطيت المادة بالمستوى المتوسط بينهما فستحرم الجميع من فرصة التعلم السليم . ومن هنا جاءت فكرة تفريد التعليم و التدريب .

العملية التعليمية
من المعلوم ان العملية التعليمية والتدريبية تسعى لسد الفجوة بين واقع المعرفة والمهارة للمتعلم والهدف المطلوب تحقيقه ، باكساب المتعلم المعارف والمهارات وتنمية قدراته ليتمكن من أداء مهامه المستقبلية بخبرة عالية وفاعلة ، وهناك طرق متعددة لتحقيق هذا الهدف .

التعليم الفردي
نمط التعليم الفردي المستقل هو شكل من أشكال التعليم الذي يتحول فيه المعلم من مجرد مقدم للمادة التعليمية ، إلى موجه ومرشد وميسر لصعوبات التعلم ومقومًا للمتعلمين من خلال تصميم برامج تعليمية تفاعلية مع الطالب أو المتدرب .
حيث يطرح بدائل متعددة يستطيع المتعلم أن يختار من بينها ما يناسب نمط تعليمه ، او قدراته الذاتية كما يتيح له اختيار الزمان والمكان المناسبين لتلقى وتبادل المعلومات ، وبإشراف وتوجيه المعلم .

الحقائب التعليمية
وتعد الحقيبة التعليمية أو التدريبية من اهم وسائل تفريد التعليم ، وبالتالي التعليم عن بعد . حيث تحتوي على وسائل ونشاطات تعليمية متعددة للمتعلم ، لفهم واستيعاب المحتوى التعليمي من خلال مجموعة من الملازم والتعليمات المقروءة والمرئية ، وكذلك وسائل إيضاح على شكل رزمة أو حقيبة تدريبية ورقية او بواسطة الكومبيوتر . وهذه الوسيلة التعليمية تقوم مقام المعلم في اي حقل علمي او تدريبي ، ويتم اعدادها وتصميمها بطريقة تحقق نقل المعرفة والمهارة من المدرب الى المتدرب باسلوب تراتيبي مبرمج يضمن تحقيق الهدف التعليمي ، وذلك من خلال تقسيم الموضوع الدراسي إلى وحدات صغيرة يمكن أن يدرسها المتعلم لوحده ، وينتقل من وحدة لأخرى بعد إتقانها وأداء الاختبار البعدي لها ، ويمكن للمتعلم أثناء دراسته للوحدة التعليمية الاستعانة بمصادر أخرى ، بالإضافة الى تنفيذ الأنشطة التعليمية الواردة في الحقيبة التعليمية . وتوفر التغذية الراجعة له معرفة المستوى الذي وصل إليه، ومن ثم الانتقال إلى وحدة تعليمية أخرى . . وهكذا يستمر بالدراسة معتمدا على قدراته الذاتية ، وبتوجيه الاستاذ المشرف .

ويعد التعليم بواسطة الكومبيوتر المستند على الحقائب التعليمية ، من أهم التقنيات التعليمية الحديثة القادرة على معالجة الأزمات التي تواجه النظام التعليمي التقليدي .

التعليم عن بعد
من خلال تكنولوجيا الحقائب التدريبية وتفريد التعليم أصبح التعليم عن بعد شائعا حيث يتمتع الطالب بكامل الاستقلالية والحرية عندما يدرس من خلال الانترنت . ولكن يتوجب عليه أن ينظم أوقاته ويخصص وقتاً محدداً للدراسة والاستفادة من المواد الدراسية المقدمة .

بما أن أسلوب الدراسة عن بعد يتمتع بالمزيد من المرونة، فإنه يساعد الطلاب غير المتفرغين على الدراسة والتعلم في الأوقات المناسبة لهم من خلال التوفيق بين الدراسة والأعمال اوالمهام الأخرى .

إلا أن هذا النمط من التعليم قد لا يحقق التفاعل الكافي بين الطالب والمعلم ، إضافة إلى أنه قد لا يصلح لكل التخصصات .

بعض الصعوبات
إن بعض الطلاب قد يجدون صعوبة في الالتزام بمتطلبات التعلم بواسطة الكومبيوتر ، وخصوصا الأشخاص الذي لا يستطيعون تقسيم وقتهم أو إلزام أنفسهم بواجبات مُعينة، فهم يجدون صعوبة في الالتزام في عملية التعليم عن بُعد. فالتعليم التقليدي يلزمهم على الحضور والمواضبة، ولكن في التعلم عن بُعد فإن الطالب يكون مسؤولا عن نفسه بالالتزام بمتطلبات هذا النوع من التعليم ، وان ذلك قد يكون صعبا على البعض ولا يستطيعون الاستفادة منه بالشكل الصحيح ، الا انه يمكن تذليل كل الصعوبات من خلال التفاعل المستمر مع المعلم الموجه له . .

واخيرا فان التعليم عن بعد يُساعد في الاعتماد على النفس والبحث عن المعلومة من خلال مصادر مختلفة. أضافة إلى أنه يمنح القدرة على التعامل مع وسائل تعليمية وتكنولوجية مختلفة قد لا تتعامل معها بنفس الطريقة من خلال التعليم التقليدي.

إن انتشار التعليم عن بعد في زمن الكورونا سيجعل من هذا النمط التعليمي ثورة في العملية التربوية مستقبلا وسيساهم مع بقية القطاعات في بناء أسس النظام العالمي الجديد نظام مابعد الكورونا .