18 ديسمبر، 2024 7:02 م

التعليم العالي واحزاب السلطة

التعليم العالي واحزاب السلطة

مرة أخرى, وأخرى أكتب حول أهمية وضرورة تطوير قطاع التعليم العالي والبحث العلمي في العراق , ولابد في يوم أن نجد اذانا صاغية لما نكتب , فقد كتبنا مرارا واشرنا نقاط الخلل في مسيرة التعليم العالي ان كان فيما يخص الجامعات والمعاهد , أو يخص الوزارة ودوائرها المختلفة.
واليوم وبعد مرور بعض الوقت منذ تسلم وزير التعليم الحالي دفة الوزارة , وهو رجل من رحم الجامعة لم تفرضه الاحزاب بقدر ما فرضته كفاءته واندفاعه لتحسين صورة التعليم المشوهة , ان لم نقل القبيحة, بالرغم من اصطدامه بعراقيل كثيرة في طريقه, وضعتها تارة الاحزاب والمصالح الشخصية وتارة والانانية وجهل السياسيين.
ونتأمل أن تضع الوزارة بكل كوادرها خطة مفصلة طويلة الامد للارتقاء أكثر فأكثر بواقع التعليم العالي, ونحن الان بأمس الحاجة الى ثورة في هذا المجال وأن نتخذ خطوات شجاعة وجريئة بعيدا عن الارتجالية والقرارات غير المدروسة.
ونحن نعرف كما الكل يعرف أن قطاع التعليم العالي كان ولا زال بين مطرقة السياسة وجهلها وحسابات الاصوات الانتخابية وبين سندان التطور واللحاق بركب الجامعات العالمية , وأن اغلب الكتل السياسية ذات نظرة ضيقة, لا تبحث عن تقدم البلد ولا تطور الجامعات فيها بقدر ما تبحث عن مصالحها وحسابات الربح والخسارة , والكل يعلم تلك العقبات المتراكمة التي تضعها تلك الاحزاب بدرب أي وزير يحاول تطبيق سياسة التعليم العالي بعيدا عن تجاذبات السياسيين وتوجهاتهم , وكلنا شاهدنا التدخلات الساذجة التي يقوم بها العديد من اعضاء البرلمان امام مرأى ومسمع الدولة دون أن يصرخ احد بوجه تلك التدخلات , أو أن يستهجنها على اقل تقدير حتى ولو بالسر , بل وراحت الاحزاب الكبيرة تتسابق بالضغط على الوزارة بشكل سافر ودون وجه حق ,. لكسب اكبر عدد من اصوات الطلبة وعوائلهم وتطالب بطلبات مزاجية تتماشى مع رغبات طلبة فاشلين التقت مع رغبات حزبية ضيقة وسياسيين جهلة , غير مبالين بالمستوى العلمي وسمعة الجامعات العراقية.
نحن بأمس الحاجة قبل كل شئ اذا ما اردنا أن نواكب العالم بالتطور العلمي أن تتبنى الدولة حزمة قرارات حازمة تقر في البرلمان تمنع وتحرم التدخل بشكل قاطع من اي طرف كان بسياسة التعليم العالي وأن تتضمن تلك القرارات نسبة معقولة من الموازنة الحكومية السنوية لآغراض البحث العلمي والايفادات الدراسية , فبدون ميزانية جيدة للبحث العلمي ستبقى جامعاتنا تعانى التأخر والتقهقر , وأن ننأى بالجامعات عن تبنى أى سياسة غير سياسة البحث العلمي وتطويره , وأن يتم وضع خطة طويلة الامد من قبل الوزارة تعتمد كمنهاج عمل لرفع مستوى التعليم في العراق, وأن تنتبه الوزارة الى مشكلة خطيرة اغفلتها طويلا دوائر الوزارة ولجانها وهي أن شهادة ( البورد ) هي ليست شهادة خاصة بالتدريس في الجامعات ( كالدكتوراه ) وأنما هي شهادة خاصة بالحقل العملي كما هو الحال في كليات الطب لآن صاحب البورد لا يتطلب منه البحث في نيل هذه الشهادة كما هو الحال مع ( متطلبات الماستر والدكتوراه ) فيكون من التناقض أن نطالب بتطوير البحث العلمي ونحن لحد اليوم لم نفرق بين صاحب البورد وصاحب الدكتوراه ؟؟.
ثم من الافضل أن نرسل طالب دراسات عليا واحد الى دولة متقدمة افضل من أن نرسل عشرات الطلاب الى دول في ذيل القائمة , وعلينا أن نتوجه الى التخصصات النادرة والشحيحة عن طريق عمل دراسة مستفيضة لبيان حاجتنا الفعلية من تلك التخصصات. وعلينا أن نتخذ قرارات تصب في دمج بعض الكليات المتناظرة المبعثرة هنا وهناك والتى تشظت لأسباب معروفة للجميع , وعلينا أن نعمد الى البناء الجامعي العمودي لا الافقي , حيث تتجمع الكفاءات وتصب في خانة واحدة , وأن نتوجه الى الجامعات التخصصية كما هو معمول في جامعة القاسم الخضراء.
علينا ان نتوجه الى دول متقدمة نقتبس تجاربها العلمية ونقلد خطواتها باستخدام المنطق وحسب الامكانيات ,وأن نستفيد من تجارب الماضي , فلا نرسل وفودا لغرض النزهة على شواطئ البحار وبدلا من أن يعود الموفدين بخلاصة تجارب البحوث وطرق العلم الحديثة عادوا بالاف الصور السيلفى المخجلة , ولا زلت أتذكر تلك التجربة الخائبة حينما اوفدت احدى جامعاتنا وفدا الى احدى عواصم اوربا لمعايشة التطور العلمي بجامعاتها , فما كان منهم الا أن أختلفوا من تكون غرفته بالفندق مطله على الشارع ؟ واخرون زعلوا على رئيس الوفد لآن المصلى بالفندق كان صغيرا , بينما هم في اروقة الجامعات البريطانية كانوا يتسابقون لأخذ السيلفى مع بنات الانكليز!!!.
علينا أن نقف بحزم بوجه كل عابث بنظام التعليم ورصانته , وعلينا القضاء على المحسوبية وتدخل الاحزاب , وواسطات السلطه وتهديداتها الواضحة لكل من يتصدى لتدخلاتهم لتسيس التعليم العالي , وعلينا أن نقف بوجه كل متاجر بسمعة الجامعات والتعليم العالي من اولئك اشباه السياسيين الذين صاروا في غفلة من الزمن اعضاء برلمان وصاروا ينفخون باعتراضات الطلبة غير المبررة ويحشدون جمهور الطلبة للتظاهر والاعتراض على رصانة قرارات التعليم , لا حبا بالطلبة بل لحسابات عرض العضلات والظهور بالاعلام وجمع اصوات انتخابية بطريقة مبتذلة متناسين انهم ينحدرون بمستوى الطالب والتعليم العراقي الى الحضيض والطامة الكبرى أن يضطر الوزير وهو استاذ جامعي حاصل على الدكتوراه ان يناقش سياسات التعليم وتوجهات وزارته مع اعضاء من البرلمان قد لا يعرفون كيف يكتبون اسمائهم !! ذلك لآن المحاصصة المقيتة فرضت تواجدهم في البرلمان والمهزلة الاكبر أن يجد الوزير نفسه مجبرا لتقديم تبريرات وشرح طروحات علمية لعضو من اعضاء البرلمان اراد أن يظهر بمظهر المنقذ امام انصاره وهو يتوسل الوزارة أن تمنح الطلبة دورا ثالثا او عشر درجات اضافية لطلاب كليات الهندسة والطب رغم أن السيد العضو لا يفرق بين دورة المياه ودورة (كريبس ) !!!.