22 ديسمبر، 2024 11:13 م

التعليم الأكاديمي .. سلاح ذو حدين

التعليم الأكاديمي .. سلاح ذو حدين

تنهض شعوب الانسانية عادة بوعي ابنائها وثقافتهم وتعليمهم، بل ذهب المهتمون بهذا الشأن الى ابعد من ذلك حتى ربطوا رقي الامم وتقدمها بدرجة الوعي هذه.
غير ان تلك الشعوب تختلف احداها عن الاخرى بطريقتها للسعي الى هذا الطريق المقدس، فيتبع البعض منها طريق النهوض العلمي عبر الاستعانة بخبرات الشعوب والدول الاخرى، ولعل دول العالم الثالث خير مثال على هذا النموذج، فيما يتخذ اخروناساليب تؤدي الى تغيير مفاهيم الانسان لديها من خلال توفير عناصر الحياة المستقرة، ليتسنى للانسان الحصول في ما بعد على درجة لا بأس بهامن الثقافة، تجعله يغادر المفاهيم البالية ليكون عنصرا ناجحا لدى مجتمعه، وهنا نستحضر النموذج الغربي في اميركا واوروبا الغربية، بينما نرى ايضانموذجا اخر يتمثل بالسعي لتحقيق رخاء اجتماعي،ثم يتبعه تطور علمي بديهي حسب رؤية المؤمنين بهذا النهج، وهذا نشاهده في بعض الدول الثرية في شرق اسيا والمنطقة العربية تحديدا الخليجية منها، بينما تتخذ شعوب اخرى النهضة الصناعية سبيلا للرقي، ولعل بعض بلدان شرق اسيا وبالاخص الصين انموذج لذلك، غير ان هذه الامثلة لمدارس السعي وراء التطور العلمي المجتمعي تؤمن جميعها بالمنهج الاكاديمي المنظم كسبيل لا مفر منه في نهاية المطاف،للحصول على أطر عامة للاختصاصات المجتمعية كافة، وهذا تمثله الجامعات المختصة، فضلا عن استخدام هذا المنهج في مقدمات التعليم في ما يعرف بالمرحلتين الابتدائية والثانوية.

اذن، يمثل التعليم الاكاديمي سبيلا لا مفر منه، وان تعددت الاساليب والانظمة في التعامل معه كأولوية املا، غير انه في الوقت ذاته يكون ذات انعكاسات ايجابية او سلبية حسب استخداماته من الدولة المعنية او النظام السياسي القائم فيها.

ان اعتبار هذا التعليم سياقا ثابتا وطريقة تعليمية متفقا عليها عالميا جعله يخضع فضلا عن الجوانب الايجابية فيه الى جوانب سلبية ربما تكون كارثية احيانا على شعب بإسره، نظرا لاستعماله كوسيلة للتجهيل او التضليل او تزييف الحقائق تارة، اوترسيخ مفاهيم معينة تارة اخرى، لذا فأننا ارتأينا ان نركز على مخاطر الاستخدام السلبي لهذا التعليم،كون ان الجوانب الايجابية واضحة ومعلومة للقاصي والداني.

ان هذا الاستخدام يكون عادة ذات خلفيات، من بينها متعمد واخر غير متعمد، فأما المتعمد منها فهو يكثر لدى الدول شمولية الحكم لتصدير ايديولوجيات ومفاهيم معينة الى المحكوم احيانا، واحيانا اخرىلتجهيل جيل قادم بهدف ضمان الاحتفاظ بمقاليد ومقدرات البلاد، اما غير المتعمد فينتشر بين الدول التي تجهل خطورة واهمية التعليم، فتهمل تطويره بالشكل الذي يلبي الغاية منه، فيكون متخلفا جامدا لا يمكن من خلاله النهوض بأبناء جيل كامل ممن تلقوه،فيكون شأنه شأن المفقود اصلا وربما اكثر من ذلك فيبني جهلا مضاعفا يؤدي الى تعصب فكري مستقبلي يمنع صاحبه من المرونة في تلقي معلومات مغايرة لما تعلمه في صغره وشبابه.

ان التعامل مع هذه الثغرة الخطيرة في المجتمع التي ربما لا يلتفت اليها معظم الناس تكون بإتجاهين، الاول منها معالجة فورية سارية للنظام التعليمي بشكل عام بين مدة واخرى، وان لا يكون الفارق بين المدتين طويلا للحفاظ على القيمة العلمية له، وهذه المعالجة تقوم بها الدولة ومؤسساتها المختصة ضمن هذا السياق.

واما الاتجاه الثاني يكون الشعب مسؤولا عنه من خلال رفع مستوى الوعي والادراك والنظر بمسؤولية تجاه اهمية هذا الموضوع، وعدم تركه لشخصيات غير موثوق بولائها لهذا الشعب والارض التي تعيش عليها، ويكون هذا التحرك الشعبي من خلال محاور عدة، منها استخدام قادة الرأي وهم شريحة الشخصيات المؤثرة في المجتمع لان صوتها سيكون عاليا ومؤثرا في البلاد المعنية، ومن بين تلك المحاور استخدام الجمعيات والاتحادات والمنظمات المختصة لانتقاد اي خلل في الحركة التعليمية، وابداء الطرق والاساليب التصحيحية التي من شأنها تقويم العملية المذكورة بما يلبي الغاية منها واعادتها الى المسار الصحيح.

ان التعامل مع هذا الملف الحساس نراه ومن باب الانصاف لا بد ان يكون تضامنيا جامعا يساهم فيه كل المعنيين بهدف الوصول به الى غاية وجد لاجلها، ألا وهي تطوير الذات الانسانية الجمعية وبالتالي بناء مجتمع ناضج على المستويات كافة، وهنا وفي ما لو تحقق هذا العمل الجماعي عندها فقط ستظهر نقاط الضعف وسيتم تشخيص الاخطاء ليتسنى التركيز عليها ثم تحديدها وحصرها، ثم ايجاد الحلول والمعالجات الناجعة لها لتقويم المسار.

وفي الختام لا يسعنا إلا ان نشير لحقيقة وجدناها اكبر من كونها مهمة، وربما يتردد المئات او الآلاف من المثقفين في التطرق اليها ألا وهي ان اي شعب في ارجاء المعمورة لا يمكن له النهوض عبر آليات تعليمية منهجية روتينية تستخدم لتجميل هوية الفرد اوالمواطن، واطلاق الالقاب العلمية عليه ثم عدهم والتباهي بتلك الاعداد بين الامم لتبيين حقيقة زائفة غير واقعية، انما بإنتاج كفاءات حقيقية متمكنة في مجالاتها تستطيع الابتكار والتجديد ومقارعة النظراء في الامم الاخرى وهؤلاء لا يمكن لهم ان يكونوا في مجتمع وجد فيه ما سبق ان قلناه عن الاساليبالمتخلفة، انما يكونوا في مجتمع علمي رصين بني على اساسات قوية ذات ابعاد ستراتيجية مخطط لها رسميا وشعبيا للوصول الى الهدف المنشود.. وبالتالي فأننا امام ضرورة قصوى للبدء في ثورة شاملة ضد اية سلبية خيمت على مسيرة البلد الذي نعيش فيه، وان هذه الثورة ربما يراها البعض سهلة او ضمن المتناول إلا اننا نراها ومن منظورنا اصعببكثير من اية ثورة دموية او حرب تخوها الدولة المعنية مع دولة اخرى، هذه الحروب التي لا تخلف إلا دمارا زمنيا محدودا يتم تجاوزه ببضع سنين، إلا اناثار السياسة الممنهجة لاشاعة التخلف بقصد او من دون قصد ستكون ذات ابعاد تدميرية على المستوى البعيد جدا وسيعاني ابناؤها عقودا لايقاف التدهور المجتمعي الذي سيصاحبها والعودة الى نقطة الانطلاق.

فالامانة كبيرة وهي على عاتق كل منا وعلينا صونها وحمايتها بالشكل الذي يجعلنا قريبين من الله تعالى الذي استخلفنا في هذه الارض وباهى بنا الملائكة، فأقل ما يمكن فعله ضمن هذا الصدد ان نكون جديرين بتباهي الخالق جل وعلا فينا، وعدم التسليم لسياسة التجهيل والتخلف مهما بلغت قوة هجمتها المدعومة من جهات ربما هي معادية للامة.