27 ديسمبر، 2024 1:09 ص

التعليقات الكاذبة!!

التعليقات الكاذبة!!

المجاملات فيها نسبة من الكذب , أو التمثيل لإيهام المقابل بغير ما فيه , وهذه سلوكيات سائدة بين البشر , وعليه أن يحترز منها , لأنها قد تنطوي على غايات ما , ومرامي إستدراجية , للوصول إلى هدف كامن في نفس يعقوب.
والمقصود بالتعليقات التفاعلات بأنواعها مع النص المنشور في المواقع الإليكترونية , وهذا التواصل السريع مع النصوص من قبل المعلق , قد يتسبب بإيهام أصحابها بأنهم بلغوا مقامات إحترافية علوية , وتنفخهم فتحولهم إلى بالونات متأهبة للإنفجار عند أول وخزة.
في تشعينيات القرن العشرين , نشرت نصا في مجلة ثقافية , فنشرت المجلة في عددها اللاحق رسائل التفاعل معه , وعندما قرأتها أخذت أنظر بعين أخرى لما أنشره , وحسبت بأني أجيد الكتابة , وربما إنتفخت , لكنني عدت إلى ذات نفسي أقرعها , وأسحق رأس المارد الذي تملكني , بسبب رسائل الإعجاب والإطراء على النص.
كانت أشبه بالسكرة التي تزعزع الأعماق , وتوهم القلم بأنه يكتب الرائع الأصيل , فيعيش الكاتب في خدعة وتضليل , ويتخذ من الخفة سلوكا , فينشر كل ما يكتب , ولا يراجعه , فينحط إنتاجه , بينما عليه أن يشعر بمسؤولية أكبر ويرى أنه مراقَب , ومن الواجب أن يكون أمينا ومخلصا للكلمة التي يكتبها , فيتمعن فيها ويهذبها ويشذبها , ويقدمها بأرقى إستطاعته الإبداعية.
وفي عالم اليوم تسود تعليقات الإعجاب , ومن النادر أن تقرأ تعليقا فيه تفاعل مفيد مع النص , فتطغى المجاملات المتبادلة , ويفقد النص دوره وتأثيره وتضيع معانية ومراميه , لأن القارئ سيركز على التعليق ويهمل النص.
فلا توجد روح نقدية , ولا إضافة معرفية , وإنما مدائح إطنابية , خالية من المنفعة والجدية , وأي محاولة للتعريف بالثغرات تواجه بإنفعالية عالية , تسببت فيها التعليقات الكاذبة أو التي يمكن تسميتها بالبالونية , الخالية من الموضوعية والمهنية والعلمية.
وأصبح وهم أن النص الذي يحوز على أكثر عدد من التعليقات هو النص الجيد والممتاز , وهذا ليس بصحيح على الإطلاق , فكم من الكتاب والفنانين الذين ما إشتهروا في حياتهم , ولكن الأجيال إكتشفت قيمة إبداعهم بعد غيابهم , وأصبحوا في غاية العلاء الإبداعي.
أرجو أن لا تؤثر التعليقات على همة المبدع , وتقلل من شأن ما ينتجه , أو توهمه بغير ذلك , وعليه أن يؤمن برسالته , وبإجتهاده الدؤوب لتطوير أدواته وتقديم ما هو أروع.
فالذي ينشر من أجل التعليقات , من الأفضل له أن لا يكتب شيئا , فالكتابة رسالة إنسانية , وموهبة تستوجب الأمانة والإخلاص والجرأة في إعمال العقل والتمسك بأنوار الحق والحقيقة.
فهل لنا أن نكتب بمداد ما نرى وندرك؟!!
د-صادق السامرائي