23 ديسمبر، 2024 2:20 م

التعصب وضياع الاوطان

التعصب وضياع الاوطان

من اجل ماذا هذا التعصب كله؟ من اجل ماذا هذا التشدد في الافكار والمعتقدات والولاءات؟ من اجل ماذا كل هذا التعصب لهذا ضد ذاك؟ لمصلحة من هذا التعصب وبهذا الشكل الجارف؟ ألم ندرك بعد ان اخر التعصب هو الخراب؟
ينقسم اصحاب التعصب قي العراق الى فريقين: فريق سياسي ، وهذا الفريق يمارس التعصب بعناية وحسن تدبير ، وان مشروعهم السياسي المريض اشبه بدكان تجاري ربحي، ولكن تحت يافطة مظللة. وكما يحتاج صاحب المشروع التجاري الى الاعلانات والدعاية لترويج بضاعته ، يحتاج ايضا الدكان السياسي او المشروع السياسي المريض الى الخداع والتظليل لترويج برنامجه واهدافه. والفرق بينهما ان الدعاية التجارية تكون عادة نظيفة وشريفة وتملك تبريرها المشروع ، بينما الدعاية السياسية المريضة تكون في اغلب الحالات ، غير نظيفة وغير شريفة. وهذا الفريق السياسي المريض الموصوف في اعلاه ، لا يقتصر على هذا المكون او ذاك ولا على هذا اللون او  ذاك ، فهو عام وشامل ، بل هو موجود في كل مكان وزمان.اما الفريق الثاني من اصحاب التعصب ، فهم هؤلاء المواطنون البسطاء الذين ظللوا بهذا الرأي وهذا الاتجاه او ذاك ، وغسلت ادمغتهم من قبل الفريق السياسي المريض صاحب المصلحة في ترويج التعصب وصاروا يمضون نحو غايات واهداف لا يدركونها ولا خيار لهم في قبولها او رفضها ومفاتيحها كلها عند السياسين الاشرار.
ولكن قد يحمل التعصب صفة ايجابية عندما يكون التعصب عام ومن اجل قضية أساسية لا يرى الشعب ، وعبر توالي العصور ، غير تحقيقها. فهو لا يقف موقف سلبي من اي اتجاه او رأي يسود الفكر العام لدى الشعب الا عندما يرى فيهما تقاطع مع قضية الشعب الاساسية. انه تعصب توحيدي لرأي الشعب وليس تعصب تفريقي. وهذا ما نلحظه تماما في التوجهات العامة للشعب في الدولتين الجارتين للعراق ، نلحظه في تركيا وايران على حد سواء. الاتراك والفرس ، وهذا سلوك ايجابي ، يتحمسون لقضيتهم القومية ولا يقبلان اي مساس بها ، فهي (القومية) هدف وطني لا بد من بلوغه. ان الشعبين التركي والفارسي يتوحدان ازاء غايتهما القومية والوطنية. وينفران من كل شيء قد يعرض اي مساس بهذا الهدف النبيل لدى كل منهما.ولكن التعصب عندما يكون عكس ذلك ، وكما هو عندنا ، يكون تعصب سلبي ويفرق بين ابناء الشعب الواحد. فهو يدعونا لأن يعتنق كل واحد منا وعن جهل ما يعاكس ما يعتنقه الاخر. انه يترك القضايا الاساسية التي تخص الوطن الذي يجمع الجميع عائمة لوحدها ، وبدلا عن ان يرعاها وينشغل بها ، يلتهي عنها بصراعات غير نافعة وغير مجدية ، واقل ما فيها انها تعيق تحقيق الوحدة الوطنية ، واكثر ما تكون تلك الاختلافات بخصوص مسائل فرعية او حتى اقل من فرعية ، او غير اساسية تماما ، ويحملها التعصب تدريجيا الى الصدارة من غير ان يعي الشعب ان نتيجتها سيكون الخراب والدمار.
تعصبت وبحماس شعوب كثيرة عبر التاريخ ، تعصبت لزعمائها ومفكريها ، وتعصبت لبعض المباديء والافكار التي كانت سائدة في حينه ، ولكنها سرعان ما حلت عقدة التعصب عندما هبت عليها رياح عاتية لا يمكن لها ان تصدها او تتكيف معها وهي على نفس الحال ، فتخلت وبسرعة عن قادتها وافكارهم رغم التأييد الجارف الذي كانوا يتمتعون به ، وهذا ما حصل في المانيا بعد ان خسر هتلر ومشروعه الحرب فشق الشعب الالماني طريقه بعيدا عنهما ، ونفس الشيء وقع للشعب الروسي بعد ان انهار الاتحاد السوفيتي وسقط الحزب الشيوعي ، فشق الشعب الروسي طريقه بعيدا عنهما وانهمك ببناء دولته الجديدة. لا تعصب لزعماء ولا تعصب لافكار ومعتقدات مهما  كانت المبررات طالما ان ذلك التعصب بدأ او عاد يتقاطع وقضية الشعب الاساسية.
نعم التعصب يكون سلبي عندما يصبح اعمى ، كالتعصب الذي خيم على الصرب أبان يوغسلافيا سابقا. فقد رفض الصرب النظر الى مطالب واحتجاجات بقية مكونات الشعب اليوغسلافي المشروعة خارج اطار النظرة الصربية المتعصبة ، فتفرق الشعب اليوغسلافي وتشتت معه يوغسلافيا. ومن الخطأ الاعتقاد ان الصراع كان ديني بين المسلمين والمسيحيين بل كان صراعا عاما وشاملا شمل جميع المكونات اليوغسلافية بقومياتها ودياناتها المتعددة. ولم يبق بيد الصرب بعد ان ضاعت دولتهم الواسعة غير الترحال هنا وهناك في ارجاء يوغسلافيا سابقا طالبين الصفح والتسامح عن ضيق بصيرتهم وعما اقترفوه بحق تلك الشعوب او الاقليات.
يؤسفني جدا ان اقول ان الحالة العراقية الان والتعصب الاعمى الذي يخيم على سلوك المجتمع العراقي في كل مكان من ربوع الوطن الغالي لا اجد شبه لها غير حالة يوغسلافيا سابقا. ان فككنا عقدة تعصبنا الاعمى وغير المبرر ، وهذا ما أسأل الله عنه ليل نهار ، يكون الله تعالى قد كتب للشعب العراقي النجاة من المأزق الذي يحوط به من كل مكان. وان راح الشعب العراقي بعيدا بتعصبه وكما عليه الان فأن مصيره كمصير يوغسلافيا سابقا وربما أسوء.