حدثني صديق وهو موظف في احدى المؤسسات الحكومية ان مديره المباشر يعشق فريق ريال مدريد يصل الى حد التعصب والمرض . والمشكلة في الامر انه يعرف اني اشجع نادي برشلونة . وعلى اثر ذلك فهو لايستسيغني – حسب وصفه – وينظر لي بمنظار العدو الماثل امامه . فتشكل على اثر ذلك سلوكا منفرا تجاهي . فكلما يفوز الريال في مباراة يرسل في طلبي في اول ساعة للدوام ويظل يضحك ويسخر مني ومن نادي برشلونة ويقول ان الملكي هو الاول والاوحد ويضفي عليه كل صفات الاساطير من الاولين والاخرين . ومن جانبي انا العبد الفقير الضعيف اظل اسايره وابتسم بغصة فهو المدير وبيده القرارات الادارية والعقوبة فأن لم افعل فقد احصل على عقوبة توبيخ بحجة تقاعسي عن العمل ولديه الف عذر لمعاقبتي . كما يحدث في بعض المرات . وفي احدى الايام كنت اشاهد مباراة جمعت بين الريال وبرشلونة . وفازت برشلونة وبدل من ان افرح واهيص مثل باقي البشر حين يفوز فريقه ، انتابني نوع من القلق وشيء من الخوف . فكيف سأواجه مديري غدا خاصة وانه عصبيته المرعبة للموظفين في حال خسارة فريقه تجعل كل مشجع لفريق الخصم ضحية له في التعنيفات والتقريعات وتصل حد العقوبات في ذلك اليوم .
هذه واحدة من ملايين الظواهر يكون التعصب فيه سيد الموقف فليس بالرياضة وحدها يكون التعصب بل يشمل كل مجالات الحياة وهذا كما نعرفه قد يكون ابسط انواع التعصب . فالتعصب لادين له فكل مايجري من فوضى وقتل وتدمير في بلدي سببه التعصب . جهة تقاتل جهة وحزب يشن حربا على حزب وطائفة تكفر طائفة . وهكذا حتى لم يبق حجر على حجر . والتعصب مرض اجتماعي يولد الكراهية والعداوة في العلاقات الاجتماعية والشخصية . وينخر في المجتمع كالارضة في قطعة الخشب . واذا استوطن في بلد يكون مصدرا اساسيا للتعاسة . وعاش الشعب العراقي على مر التاريخ ويلات الحروب والاضطهاد جراء التعصب . وعرف لدى بعض الرؤساء في العراق تعصبهم لذاتهم المتضخمة ولطائفتهم “ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد” قالها فرعون ومن بعده قادة ورؤساء وملوك . ولكن ابشع انواع التعصب برأيي الناتج عن الجهل وتقديس البشر والغلو به . فنجد قادة احزاب يضفي عليه أنصاره هالة من التقديس والتبجيل . ولديه الحق الالهي في كل شيء . ويتبعه الغاويين من كل حدب وصوب ويتشكل لديهم الضمير الجمعي المسير في اللاوعي من قبل قادة الحزب والكتل والجماعات فينعقون مع كل اشارة منهم “اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله”. ويعتبرون ان اوامرهم قدسية وانهم خلفاء الله في الارض فتهيج الجماهير مع كل خطاب اوكلمة صادرة منهم . فيتولد الخراب والقتل وهكذا دواليك في هذا البلد . ودرجات التعصب التي حددها عالم الاجتماع جوردن ألبورت خمس وجميعها عاشها العراقي وطبقها بحرفية كاملة وبأحتراف اذهل العدو قبل الصديق . فمن التهجم اللفظي المشاع الى رفض الآخر كما يحدث حاليا بين الطوائف والاديان والقوميات والكتل والاحزاب السياسية ، الى التحريض ضد الآخر والاعتداء البدني الذي يصل غالبا الى القتل والتصفية الجسدية . واسباب كل ذلك حين يواجه البلد احتلالا كبيرا من قوة عظمى تسخر كل امكانياتها من اجل فرق تسد لتعبث به وتحقق الفوضى الخلاقة لخلق مجتمع جديد يؤمن بأفكار وقيم جديدة بعيدة كل البعد عن القديم بغية السيطرة عليه وتسخير مقدراته الاقتصادية والبشرية لها . وساهم في تنامي التعصب جهلاء المؤسسة الدينية بأحكامهم وفتاواهم المتطرفة بسبب الفهم الخاطيء للدين . اضافة الى المؤسسة الاجتماعية وانغلاق مناطق على نفسها فضلا عن تربية الاسرة والمدرسة . فهنالك بعض البلدان العربية تعلم ابناءها في المدارس الكره والعداوة تجاه طائفة معينة او مذهب معين او دين . نقول هنالك صحوة جماهيرية يعبر عنها المتظاهرون ترفض التعصب وتنادي بالوحدة والمصير الواحد وهؤلاء يجدون تنكيلا من قبل جهات لاترضى بوحدة شعب العراق . ولكن نقول ان تباشير فجر جديد لاحت في الافق وما علينا سوى العمل من اجل عراق واحد موحد .