23 ديسمبر، 2024 6:35 ص

أنتجت السينما الأمريكية وبعد فترة قصيرة من ظهورها ، فيلم بعنوان ( التعصب INTOLERANCE)عام 1916 للمخرج الأمريكي د . و . جريفث، يتناول موضوع التعصب وبأربعة قصص ، منفصلة عن بعضها البعض، تتحدث جميعها عن عن موضوع واحد ، وعلى مدى ثلاث ساعات عرض سينمائي مستمر، إلا وهو التعصب، ومن بين هذه القصص الأربعة ، قصة سقوط مملكة بابل ، بعد معركة عنيفة ، بين ملك وآخر كان يود قهر المدينة ، تعصبا”لمدينته ، ولألهه . وقصة شغب عمال في مصنع بعد طرد عامل ، وللسبب ذاته ، التعصب . القصة الثالثة ، هي لمولد السيد المسيح وسط اليهود ، الذين بدءوا في ممارسة التعصب ، ضد كل ضعيف بينهم .والرابعة هي قصة الملكة الفرنسية كاترين دي ميتش ، بمحاربة فريق من الشعب الفرنسي، وعلى قاعدة مزاعم التعصب أيضا”.

لقد شكل طرح موضوع التعصب ، في فيلم سينمائي أمريكي ، إشارة مهمة وحيوية لما عانت منه البشرية ولازالت تعاني منه، لاسيما في فن حديث العهد حينها ، وعززت من نقل صور ، وتصحيح مفاهيم ربما كانت غائبة عن وعي المجتمع ، في نقلها إليهم ، واستمرت السينما العالمية بعد ذلك إنتاج أفلام وقصص دينية مختلفة ربما مست مواضيع تتعلق بالتسامح. وبعد ستة عقود تقريبا من ظهور فيلم التعصب ،تناولت هوليود تحديدا” قصة الإسلام في فيلم ( الرسالة ) لمنتجه ومخرجه الراحل (مصطفى العقاد )، ضحية التعصب الديني أيضا”،إذ شكلت قصة هذا الفيلم وجميع عناصره الفنية ، نقطة تحول مضيئة في تأريخ الإنسانية ، بنقل صور مشرقة وايجابية عن الإسلام والمسلمين الأوائل ، وفي مقدمتهم الرسول الأعظم ( محمد) ( ص ) وتناوله لسيرة اتفق عليها جميع المسلمين بكل مذاهبهم ، ولو بعد حين .

لقد شكل فيلم الرسالة ، عامل جذب وقوة للعديد ممن انخرطوا في الإسلام بعد عرضه داخل الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من دول العالم ، التي لم تكن تعرف شيء مهم عن قصة الإسلام ومبادئ التسامح التي يحملها ، وعلى الرغم من الردود المعارضة لإنتاجه في حينها ومن بعض الدول العربية ، وما تعرضت له بعض دور العرض من حرق داخل الولايات المتحدة ،من متعصبين ولأسباب التعصب ذاتها في عرضه الاول، ولكنه

سرعان ماسيطر على وعي المشاهد الأمريكي وازداد مشاهديه بالملايين، وأصبحت عمليات حرق دور عرض السينما دعاية مجانية ايجابية له.

بعد ذلك أنتجت السينما ،والإذاعة ،والتلفزيون عالميا” ، عبر أعمال تعالج قصص دينية كثيرة من برامج وأفلام ،تحدثت عن الإسلام والقصص الواردة في القرآن الكريم ، والأديان الأخرى، وبشكل ايجابي أيضا”، ولكن بقي فيلم الرسالة متربصا” على عرشها دون منازع في وعي المسلمين.

اليوم نحن بأمس الحاجة لإعادة القراءة في مانعتقد ، وإعادة إنتاج ثقافة جديدة تستند على المشتركات الإنسانية العابرة للانتماءات العقائدية ، واستلهام تجارب الآخرين لاسيما تجربة الولايات المتحدة الأمريكية ، بعد تعرضها لاعتداءات 11/9 /2001، وبروز ظاهرة الكراهية تجاه المسلمين ، والعمل على إقرار تدريس مادة التسامح في جميع مراحل الدراسة ، فضلا” عن اهتمام رئيس الولايات المتحدة بمناسبات المسلمين ومشاركتهم الإفطار في شهر رمضان كتقليد سنوي ، والأعياد الدينية ، واعتبار أعياد المسلمين عطل رسمية في المؤسسات التربوية لبعض الولايات ، وهذه المنهجية في الاداء الأمريكي لم تأتي بشكل عفوي .ولغرض تأسيس مجتمعات متسامحة متحابة في بلدنا العراق، فأن هذا يعتمد على نخبة المجتمع من رجال دين معتدلين ، يتناولون بمنابرهم التسامح كخيار نهائي للعيش المشترك ، ومفكرين ينظروا للتسامح ويحثوا عليه كغاية في دراساتهم، وسياسيين عابرين بالانتماء يأخذوا المجتمع نحو بر الأمان ،فضلا” عن مثقفين وفنانين لهم أهمية ربما تتجاوز الجميع في نشر ثقافة التسامح، وأكاديميين بمستوى المسؤولية يشيعوا مبادئ وثقافة التسامح بين طلابهم ،وغيرهم ممن يؤمنون بالحوار والتسامح ، ويرفضون التعصب اي كان سببه.وهنا نطرح تساؤلنا .
هل نستطيع أن نتغلب على تعصبنا ، ونشيع التسامح؟