23 ديسمبر، 2024 10:17 ص

التعري الديمقراطي!!

التعري الديمقراطي!!

المتابع لما يجري في الإنتخابات في المجتمعات الديمقراطية القوية يدرك بأن التفاعلات الإنتخابية تهدف إلى تعرية المرشح بكل ما فيه وما عليه , لأنه إذا فاز بالمنصب الذي يطمح إليه فأنه ليس ملك نفسه , وإنما ملك الشعب والوطن , لذا عليه أن يتعرى بالكامل قبل أن يُقال بحقه الصوت الفصل في صناديق الإقتراع أو مواقع الإنتخابات.
والتعرية الديمقراطية من الضرورات الجوهرية للسلامة والصحة الديمقراطية , فبدونها تتحول الديمقراطية إلى فساد – قراطية , كما هو حاصل في بعض المجتمعات العربية المتوهمة بالديمقراطية , والتي سجلت أرقاما قياسية في الفساد والإفساد وعلى جميع المستويات.
ذلك أن المرشحين في هذه المجتمعات لم يخضعوا لبرامج التعرية ومواقفها ومواجهاتها ومساءلاتها , وإنما تقنّعوا بالخداع والتضليل وعمامة الدين ولحيته وجبته وملحقات مظاهره , ليغنموا الناس أو يشتروا أصواتهم ويضحكوا عليهم ويسرقونهم ويصادرون حقوقهم , ويعبثون بمصيرهم على هواهم وكما تشاء أمّارة السوء التي فيهم.
وفي متابعة قصيرة لما يدور في المجتمعات الديمقراطية المتقدمة القوية , تجد أن المرشح يتم التدقيق في كل شاردة وواردة تتصل به , حتى ليبدو عاريا من كل شيئ, فيكشف تقاريرا عن حالته الصحية والعقلية والأدوية التي يأخذها وما يملكه ومسيرته , بدقة وتفصيل طوال حياته وحتى اليوم.
أي يتم البحث الدقيق الصارم عن كل ما قام به وتحدّث عنه في مسيرته , بل ويتم التعرف على حياته الخاصة وما يتعلق به من نشاطات وتفاعلات.
وبعد أن يبدو المرشح عاريا تماما أمام الناخبين يبدأ التصويت , وكل مواطن عليه أن يقرر أي المرشحَيْن العاريَيْن عليه أن يختار.
ذلك أن هذه المجتمعات قد تعلمت من تجاربها المتواصلة , ضرورة وأهمية التعري الديمقراطي , لأنها لا تريد أن تنتخب مرشحا مريضا أو منحرفا أو مصابا بعاهة سلوكية , نفسية أو عقلية , وإنما تريد الذي يتمتع بعافية بدنية ونفسية وعقلية وسلوكية , ومسيرته تشير إلى القدرة الإنجازية والنزاهة والجد والإجتهاد والإخلاص ونكران الذات والحكمة والبصيرة والذكاء.
ومن أهم أسباب فشل الديمقراطية في المجتمعات المتأخرة , وخصوصا العربية , هو غياب مناهج ومواجهات ومناظرات وتساؤلات التعري أمام الشعب.
فالترشيح يكون فيها بالخداع والتضليل والترغيب والترعيب , وبالفتاوى الجائرة المخادعة من العمائم المسخرة والممولة , والتي تستخدم الدين لتمرير مساوئ النفوس ونوازع الشرور.
ولهذا فلا يمكن إستخدام كلمة “مرشح” , وإنما الذين يفوزون إنما هم معينون من قوائم مجهولة مستترة لم تخضع لعوامل التعرية , ولم تتعرى أمام الناخبين لتنكشف ظواهرها ودواخلها وسلوكياتها , وعليه فأنها تئن من الأوجاع – قراطية!!
فهل سنتعلم كيف نعرّي المرشحين قبل إنتخابهم؟!!