5 نوفمبر، 2024 5:04 م
Search
Close this search box.

التعري الديمقراطي!!

التعري الديمقراطي!!

المتابع لما يجري في الإنتخابات في المجتمعات الديمقراطية القوية يدرك بأن التفاعلات الإنتخابية تهدف إلى تعرية المرشح بكل ما فيه وما عليه , لأنه إذا فاز بالمنصب الذي يطمح إليه فأنه ليس ملك نفسه , وإنما ملك الشعب والوطن , لذا عليه أن يتعرى بالكامل قبل أن يُقال بحقه الصوت الفصل في صناديق الإقتراع أو مواقع الإنتخابات.
والتعرية الديمقراطية من الضرورات الجوهرية للسلامة والصحة الديمقراطية , فبدونها تتحول الديمقراطية إلى فساد – قراطية , كما هو حاصل في بعض المجتمعات العربية المتوهمة بالديمقراطية , والتي سجلت أرقاما قياسية في الفساد والإفساد وعلى جميع المستويات.
ذلك أن المرشحين في هذه المجتمعات لم يخضعوا لبرامج التعرية ومواقفها ومواجهاتها ومساءلاتها , وإنما تقنّعوا بالخداع والتضليل وعمامة الدين ولحيته وجبته وملحقات مظاهره , ليغنموا الناس أو يشتروا أصواتهم ويضحكوا عليهم ويسرقونهم ويصادرون حقوقهم , ويعبثون بمصيرهم على هواهم وكما تشاء أمّارة السوء التي فيهم.
وفي متابعة قصيرة لما يدور في المجتمعات الديمقراطية المتقدمة القوية , تجد أن المرشح يتم التدقيق في كل شاردة وواردة تتصل به , حتى ليبدو عاريا من كل شيئ, فيكشف تقاريرا عن حالته الصحية والعقلية والأدوية التي يأخذها وما يملكه ومسيرته , بدقة وتفصيل طوال حياته وحتى اليوم.
أي يتم البحث الدقيق الصارم عن كل ما قام به وتحدّث عنه في مسيرته , بل ويتم التعرف على حياته الخاصة وما يتعلق به من نشاطات وتفاعلات.
وبعد أن يبدو المرشح عاريا تماما أمام الناخبين يبدأ التصويت , وكل مواطن عليه أن يقرر أي المرشحَيْن العاريَيْن عليه أن يختار.
ذلك أن هذه المجتمعات قد تعلمت من تجاربها المتواصلة , ضرورة وأهمية التعري الديمقراطي , لأنها لا تريد أن تنتخب مرشحا مريضا أو منحرفا أو مصابا بعاهة سلوكية , نفسية أو عقلية , وإنما تريد الذي يتمتع بعافية بدنية ونفسية وعقلية وسلوكية , ومسيرته تشير إلى القدرة الإنجازية والنزاهة والجد والإجتهاد والإخلاص ونكران الذات والحكمة والبصيرة والذكاء.
ومن أهم أسباب فشل الديمقراطية في المجتمعات المتأخرة , وخصوصا العربية , هو غياب مناهج ومواجهات ومناظرات وتساؤلات التعري أمام الشعب.
فالترشيح يكون فيها بالخداع والتضليل والترغيب والترعيب , وبالفتاوى الجائرة المخادعة من العمائم المسخرة والممولة , والتي تستخدم الدين لتمرير مساوئ النفوس ونوازع الشرور.
ولهذا فلا يمكن إستخدام كلمة “مرشح” , وإنما الذين يفوزون إنما هم معينون من قوائم مجهولة مستترة لم تخضع لعوامل التعرية , ولم تتعرى أمام الناخبين لتنكشف ظواهرها ودواخلها وسلوكياتها , وعليه فأنها تئن من الأوجاع – قراطية!!
فهل سنتعلم كيف نعرّي المرشحين قبل إنتخابهم؟!!

أحدث المقالات

أحدث المقالات