22 ديسمبر، 2024 5:26 م

التعبير الأدبي بين الأجيال التقليدية والرقمية

التعبير الأدبي بين الأجيال التقليدية والرقمية

باحثة في الإعلام

صدر عن نادي مكة الثقافي الأدبي، كتاب جماعي  يحمل عنوان : ” الشعريـة الرقميـة ،مستجدات الأدب الرقمي وتحدياته ” ، وقد تضمن أبرز  الأوراق البحثية المقدمة حول مستقبليات الأدب الرقمي،وكذلك مجموعة من المقاربات النقدية ويهدف النادي من خلال هذا التوجه إلى متابعة التطورات التقنية الحديثة، ودعم المبدعين في هذا المجال الناشئ.

ويتضمن الكتاب الذي يقع في 456صفحة ، ثمانية محاور ،أولها محور حول  ” العصر الرقمي وفلسفة التحول” ،شارك فيه كل من: زهور كرام ،وعبد الحق بلعابد،وكلثوم زنينة. عالجت المداخلات  إشكالية العلاقة بين العلوم الإنسانية والتكنولوجيا في ظل التحولات الكبيرة التي يشهدها العصر الرقمي ، حيث تتحدى التكنولوجيا المفاهيم والمناهج التقليدية للعلوم الإنسانية مما يطرح تساؤلات حول هويتها الجديدة، ويفرض التطور التاريخي لهذا التحول إعادة النظر في الأدوات المستخدمة وإنتاج وعي فلسفي بتأثير التكنولوجيا على الإنسان وهويته، حيث تتطلب العلاقة بين العلوم الإنسانية والتكنولوجيا تكاملًا لمواكبة مقتضيات العصر.

وفي المحور الثاني “شعرية السرد الرقمي ” والذي تضمن ورقات علمية كل من: آمنة بلعلى وفهيم شيباني وحمزة قريرة و بهاء الدين محمد مزيد ومهى جرجور وبدر العوني ؛  وناقش قضية الرواية وعلاقتها  بالتغيرات الثقافية والاجتماعية الناتجة عن تأثير التكنولوجيا الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي. ومن خلال تقاطع عدد من السرديات الفردية لشخصيات مختلفة، تسلط الضوء على قضايا مثل:

تشتت الهوية وتداخل الثقافات نتيجة الهجرة والنزوح.

تأثير وسائل التواصل على طبيعة العلاقات وانتشار ثقافة المراوغة والغموض.

ظهور قضايا الهامش والأقليات على السطح وتحولها إلى محور النقاش.

تعارض مفاهيم الانتماء والهوية في ظل التحولات الرقمية.

اما المحور الثالث “شعرية الشعر الرقمي ” ،وشارك فيه كل من صفاء الدين احمد فاضل وسعاد ثروت محمد ناصف و ايمان عبد الجابر عبد السميع علام و اسيا مصابحية وفاطمة علي غريب ؛ ذلك أن الوسيط الرقمي له قدرة تمثل  ملموسة على تمازج وتفريع النصوص وتعدد أجناسها الفنية المختلفة أساساً لنشأة القصيدة التفاعلية. وقد استطاع الشاعر استثمار إمكانات التفريع من خلال النص المتفرع والاحتمالي لينتج نسقاً متحركاً يمكّن المتلقي من التفاعل. كما أتاح الوسيط شعرية خاصة تتمثل في التنقل بين النصوص والفنون المختلفة، مما أفضى إلى إيجاد لغات جديدة للنص وتوليد أنماط خيال متنوعة، لتتحقق شعرية الانزياح الوسائطي التي تمثل سمة جوهرية في القصيدة التفاعلية الرقمية.

وفي المحور الرابع  “الشعرية الرقمية والتجربة النصية” شارك فيك كل: من صلوح مصلح السريحي واسماعيل البويحياوي وعائشة بنت فهد بن سعيد والهام شافعي وعبير محمد جبرين طهبوب ؛ شمل مجموعة من القصائد الشعرية الرقمية من بينها نص يشتمل  على مكونين، الأول بصري سمعي، والثاني نص مكتوب. تميز المكون الأول بصورة بصرية أحلت الظلمة وأصوات طبيعية، بينما تضمن المكون الثاني أربع لوحات مكتوبة عرضت بالتتابع. اشتمل النص على تلاعب لغوي ودلالي متمثل بتحول المعنى والتناقضات والإبهام. كما تضمن تلاعباً بصرياً بين النص والصورة. وقد مثل الصوت عنصراً مرتبطاً دلالياً بالنص. أما البنية الزمانية فكانت غير خطية، إذ تمكن المتلقي من التنقل بين العناصر.

في هذا المحور تمت مناقشة تجربة الشاعر محمد حبيبي “لوحة فنجان” كمثال للنص الرقمي الذي يجمع بين النص المكتوب والعناصر الصوتية والبصرية ليكون كتلة واحدة يمكن مشاهدتها عبر وسيط إلكتروني.

أما المحور الخامس “الشعرية الرقمية والمقاربة النقدية”، شارك فيه كل من: سمر الديوب واياد ابراهيم فليح و عبد الحميد الحسامي وخديجة باللودمو وسعيدة حمداوي ومحمد بن علي الزهراوي ؛ ناقش كيف اتّسم الخطاب النقدي الرقمي العربي بعدم استقرار مصطلحي، واعتماده على إعادة إنتاج المفاهيم الغربية، كما تناول أبعاد العلاقة بين الأدب والتقنية بدلًا من دراسة البنية الرقمية للنص. وتناولت الدراسات مسألة الأجناس عند تحليل النصوص السردية. كما ساد النقد الوصفي على حساب النقد التفسيري.

ويلزم الناقد الرقمي معرفة واسعة، والانفتاح على النظريات الحديثة، وتجاوز المركزيات. كما ينبغي التوسع في دراسة المنجز الإبداعي الرقمي بدلًا من التركيز على العلاقة بين الأدب والتقنية. ويستوجب تجاوز الانتقادات السابقة، والتركيز على مكونات النص الرقمي. وفي النهاية، لا يمكن تأسيس نظرية نقدية رقمية عربية إلا من خلال مزيد من البحث العلمي في هذا الميدان الناشئ.

واستعرض الباحثون في المحور السادس “التجنيس و الشعرية الرقمية “، كل من: مشتاق عباس ،ومستورة العرابي ورشيد وديجي ؛  مستعرضين كيفية تمتع الأدب الرقمي  بسمات مثل الترقيم واللاخطية والتفاعلية والوسائطية، ما يميزه عن الأشكال الأدبية التقليدية. كما ورد في المحور ضرورة ألا ننظر الى الادب الرقمي  على أنه مجرد امتداد للأشكال السابقة، بل جنس أدبي جديد يستحق أن يدرس وفق قواعده وخصوصياته البنيوية. وهذا مهم لتجاوز النظرة المعادية له. شكرا على هذا البحث الرائع ، تمتع النص الرقمي بعدد من الخصائص التي تميزه عن النص الورقي، وتشكل مقومات أساسية له كنمط جديد من أنماط الكتابة والتأليف والتلقي الأدبي.

ورغم اختلاف التسميات فإن أغلب الباحثين يميلون لاعتبار الأدب الرقمي مصطلحاً شاملاً يضم هذه الأشكال، مع الحاجة لمزيد من التحليل والتجربة لتحديد مفهومه وخصائصه بشكل أدق.

 وجاء في المحور السابع المعنون “مستقبل الشعرية الرقمية” وشملت مداخلات كل من عادل خميس الزهراني وعمر المحمود وهند ال يحيى وجميلة الفايدي ؛  الأدب الرقمي كتجربة واعدة في الوطن العربي إن تحققت بعض الشروط الأساسية منها:

تعزيز الدراسات الأكاديمية لهذا النوع من الأدب بهدف تأصيله ووضع أسس نقدية لمواكبة تطوره. كما يجب تشجيع المبدعين على المساهمة فيه واستثمار إمكانات التقنية.

كذلك من الضروري إدماج مهارات الإبداع والقراءة الرقمية في المناهج الدراسية. ودعم المشاريع الثقافية عبر الإنترنت لنشر الإبداع..وتطوير مفهوم النقد الرقمي ليتناسب مع خصوصيات هذا الفن الحديث. كما ينبغي اعتماد إمكانات التقنية في التعريف بثقافتنا.

يمثل الأدب الرقمي تحدياً وفرصة للثقافة العربية في عصر المعلومات. فمع انتشار الوسائط الرقمية الحديثة، أصبح بإمكاننا نقل المعرفة والأفكار بسرعة وسهولة كبيرتين،لكن التحدي الأكبر يكمن في كيفية دمج هذه التقنيات مع الهوية الحضارية لأمتنا. ويمثل الأدب الرقمي أحد أشكال التعبير عن ذاتنا في هذا العصر، إذا ما تم تطويره وتأصيله بشكل سليم.

اما المحور الثامن فقد تضمن تجارب وشهادات مبتكرة في مجال الشعر المرئي ؛محمد سناجلة والاستاذ محمد حبيبي و محمد حسين حبيب؟.

في نهاية الكتاب،توصل المشاركون إلى مجموعة من التوصيات تهدف إلى دعم الإنتاج الأدبي الرقمي ورفع مستواه، أبرزها: طلب الدعم للمبدعين وإنشاء جائزة للإبداعات الرقمية، كما دعوا لإنشاء قاعدة بيانات للتقنيين للتعاون مع المبدعين، وإصدار مجلة متخصصة، إضافة لإدراج الأدب الرقمي باهتمامات النادي وتأسيس مختبر رقمي للتدريب. كما شدد الملتقى على ضرورة التعاون الدولي لتدويل الإنتاج العربي في هذا المجال.