18 ديسمبر، 2024 8:11 م

التعبئة الجزئية والأسلحة النووية التكتيكية

التعبئة الجزئية والأسلحة النووية التكتيكية

سألوني عن ماهيّة التعبئة الجزئية التي قررها الرئيس “فلاديمير بوتن”، والتهديدات النووية المتبادلة بين روسيا والغرب خلال الأسبوع الفائت… فأجبتهم بإختصار كما في أدناه:-

ماذا تعني التعبئة الجزئية في تأريخ الحروبالحديثة؟

التعبئة الجزئية تعني أن تستدعي الدولة جزءاً من مواطنيها القادرين على حمل السلاح، ممن تتراوح أعمارهم مابين 19-45 سنة، للخدمة الوقتية في صفوف الجيش والقوات المسلحة، في ظروف الحرب وحالات الطوارئ والكوارث، وذلك لسدّ النقص الحاصل لدى الوحدات والتشكيلات التي تحت السلاح، أو تأسيس وحدات وتشكيلات جديدة لشتى الأغراض.

ولكن الذي يستجلب النظر في هذا القرار الروسي غير المسبوق منذ الحرب العالمية الثانية، كون عدد المدعوّين 300.000 شخصاً، أي ما يُعادل 120% من تعداد القوات الروسية العاملة التي بوشهر بها الحرب، والعاملين بالوقت الراهن في قواطع عمليات شرقي أوكراينا، وهذا ما يكفي لإضافة حوالي 20 فرقة برية حسب نظام المعركة المتبع لدىالجيش الروسي.

وتشير كذلك إلى عزم القيادة الروسية على إطالة أمد الصراع حتى الصيف القادم على الأقل، ولبرما تُخصَّص عدة أشهر متتالية منها لأغراض سَوق المدعوين إلى مراكز التدريب وتهيئتهم لغرض التعويض عن ضحايا الوحدات القتالية المتضررة، أو زجّهم في صفوف الوحدات التي تُشكّل حديثاً، قبل إشراكها في تمارين ومناورات ميدانية بالعتاد الحي، ثم تحريكهم إلى قواطع العمليات.

أي من الدول لجأت إلى تعبئة جزئية شبيهة فيالعقود الاخيرة؟

عشرات الدول مما لا تعدّ ولا تُحصى منذ مطلع النصف الثاني من القرن العشرين، وعلى سبيل المثال:- التعبئة الجزئية الأمريكية في حرب كوريا، وكذلك خلال حربها على فييتنام، وفرنسا أيضاً في حربها على الجزائر… أما إسرائيل والدول العربية فحدّث ولا حرج، في جميع حروبهاالأربع بلا إستثناء.

أما العراق فقد سجّل أرقاماً قياسية عالمية في عهوده الجمهورية منذ الستينيات ولغاية وقوعه تحت الإحتلال الأمريكي سنة 2003... والحديث يطول عن باقي العالم.

ما هي التداعيات  الناجمة عن قرار بوتين بالنسبةلدول الجوار، وبشكل خاص على تركيا المسيطرةعلى المضايق؟

من المؤكد أن ينشغل بال الدول المتاخمة لروسيا أكثر مما إنشغل منذ بدأ الصراع الميداني قبل 7 أشهر وحتى يومنا هذا، وبالأخص أن قادتها إستشعروا وأيقنوا أن هذه الحرب وعملياتها الميدانية سوف لا تضع أوزارها قريباً، ولربما تتشظى أوارها وتصل مدياتها إلى بلدانهم.

أما بخصوص تركيا، فلربما لم تهتم كثيراً بقرار التعبئة لعدة أسباب، ومنها إحتفاظها بالحياد في هذه الحرب، وتمتّعها بصداقة مشهودة مع روسيا وأوكراينا على حدّ سواء، ناهيك عن كون الصراع الميداني على مبعدة مئات الكيلومترات من أرضها ومياهها وأجوائها الإقليمية، إضافة إلى عدم منعها أو تحديدها أو تهديدها للملاحة البحرية الروسية والأوكراينية عبر مضيق البوسفور وبحر مرمرة ومضيق جناق قلعة (الدردنيل).

هل الحرب الحديثة بحاجة الى مثل هذه التعبئةالكبيرة في ظل الأسلحة الحديثة عالية الدقة؟

نعم ما زالت الحرب بحاجة إلى العنصر البشري كي يدير الأسلحة عالية الدقة والمتاحة بيومنا الراهن والمستقبلالقريب، فالأعداد المطلوبة لتشغيل هذه الأسلحة لم تنخفض بشكل عام، ناهيك عن إستمرار الحاجة إلى العمل على وسائط القتال الأساسية، أمثال أسلحة المشاة وعجلات القتال والدبابات والمدافع والمعدات الهندسية التي لا تستغني عن ملاكاتها من الأشخاص.

كيف ترسمون سيناريو المواجهة المحتملة بين روسياوالناتو؟

من حيث المبدأ فإن إحتمالات المواجهة بين روسيا وحلف الناتو أضحت أكثر مَنالاً، من حيث إصرار الحلف وعدم تراجعها عن مواصلة دعم أوكرايينا بأفضل الأسلحة الدفاعية التي باتت تؤذي القوات الروسية كثيراً وتربك حركاتها.

وإضافة لذلك فأن الناتو سيواصل تعاونه الدؤوب مع أوكرايينا بالتدريب المتقن في مؤسسات جيوشه، وسيتواصلمع “كييف” بالمستشارين والخبراء، ويزودها بأدق المعلومات عن طريق الطائرات المتنوعة والأقمار الصناعية المصصمة للإستطلاع- وتكشف مواقع إنفتاح القوات الروسية وتحركاتها ومقرات قياداتها في عموم أوكراينا، وحتى عبر الحدود إلى الداخل الروسي.

هل من الوارد لجوء روسيا للأسلحة النووية؟

لا أعتقد ان تلجأ روسيا لزجّ أسلحتها النووية في هذا الصراع، بل ستظل تهدد بها بإتباع سياسة “حافة الهاوية”.

روسيا العظمى ليست بحاجة لهكذا سلاح بالوقت الراهن ولا في المستقبل القريب، فقواتها المسلحة عموماً يفترض أن تكون مصممة من حيث الأساس لحرب عالمية تشتمل كلّ الكرة الأرضية، وتمتلك الكثير مما يمكن إستثماره قبل الإقدام على هذه الخطوة الخطيرةوالمصيرية… فلديها طائرات الهجوم الأرضي بمديات تبلغ مئات الكيلومترات، وقاصفات متوسطة وستراتيجية عملاقة تحمل في جوفها قنابر تقليدية ثقيلة ومدمرة، ناهيك عن الصواريخ البالستية ذات الرؤوس التقليدية والمقذوفات الجوالة “كروز”، والمدافع الضخمة والراجمات بعيدة المدى، إضافة لقوائم السلاح الكيميائي والبيولوجي والقنابل المُغذّى باليورانيوم المُنَضَّب ذات التدمير الكبير، وسواها من الأسلحة غير المكشوفة عنها.

ماذا تعني الأسلحة النووية التكتيكية؟

هناك أسلحة نووية ستراتيجية تغطي مدياتها نصف محيط الكرة الأرضية، وهي ذات قدرات تدميرية هائلة تقدّر بالـ”ميكا طن”، تحَمَّل رؤوسها على صواريخ ومقذوفات ضخمة مًسَيّرة ودقيقة، أو في بطون طائرات قاصفة عملاقة.

وهناك أسلحة نووية عملياتية متوسطة المدى بقدرات تدميرية أدنى تقدّر بمئات أو عشرات الـ”كيلو طن”، تحملها صواريخ ومقذوفات وقاصفات أدنى مدىً وحجماً.

أما الأسلحة النووية التكتيكية، فهي رؤوس صغيرة عادة ما تستخدم في ميادين القتال لمحو موقع قيادة أم كتيبة أو لواء من الوجود، وتقذف من طائرات الهجوم الأرضي والقاصفات الخفيفة أو صواريخ ومقذوفات مسيّرة ذات مديات قصير لا تتعدى بضع مئات من الكيلومترات.

ما هي ميزات ومواصفات المدافع الاميركية التيزودت بها واشنطن وحليفاتها أوكرانيا؟

هناك المدفع الأمريكي “هاوتز 155 ملم XM-777خفيف الوزن نسبياً (3.74) طن، والمستخدم بواقع المئات منذ 18 سنة لدى مشاة البحرية الأمريكية ارينز)، والجيشين البريطاني والإيطالي، يتألف طاقمه من 5-8 أشخاص، مداه الاقصى 30 كم، وله القدرة على إطلاق 5 قنابل في الدقيقة، وهو مزوّد بنظام تسديد ليلي ونهارييوفر بيانات الرماية والملاحة وتحديد الموقع بدقة متناهية، ويمكن تعليقه أسفل الهليكوبترات أو حمله بطائرات النقل، أو سحبه بعربة 4×4 بسرعة 88 كلم/ساعة.

وهناك كذلك الراجمة (قاذفة الصواريخ الأنبوبية) الأمريكية هيمارس إم 142 (HIMARS M142) التي سُلِّمت إلى أوكرايينا في حزيران 2022.

يتكون طاقمها من 3 أفراد، وبإمكان المنصّة الواحدة إطلاق 6 صواريخ عيار 227 ملم تباعاً خلال ثوانٍ وبدقة عالية بالإعتماد على نظام GPSلغاية مداها الأقصى 80 كلم.

ويمكن تركيب حاوية عنقودية على مقدمة الصاروخ الأنبوبي، تحتضن عدداً من القنابل المُصغّرة ذات التوقيت، والتي تنتشر على مساحة واسعة نسبياً، وتنفجر واحدة تلو الأخرى تباعاً حسب توقيت كل منها، وبذلك يصيب القلق الجنود المنتشرين في تلك المساحة وتجعلهم مختبئين وحذرين لعشرات الدقائق أو لأكثر من ساعة، ويُصاب عدد منهم أو يُقتَل.

ليست أوكراينا الدولة الأولى التي تستحصل الراجمةهيمارس“، وقد سبقتها دول عديدة من أصدقاء أو حلفاءالولايات المتحدة، أمثال الأردن، سنغافورة، الإمارات العربية المتحدة، بولندا ورومانيا.

كيف يمكن تخيّل حرب إستنزاف قد تستغرقعدة سنوات بين البلدين؟

حرب الإستنزاف تتمناها الولايات المتحدة وعموم دول الغرب، بل وتخطط في سبيل تحقيقها بإطالة أمد الحرب في سبيل إنهاك القوات المسلحة الروسية وإقتصاد دولة روسيا الإتحادية من ناحية، في حين لو دُمِّرَت أوكراينا فإنها تظلّ محتاجة للغرب وتغدو تحت سطوته إلى مستقبل منظور.

وما حروب الإستنزاف العربية- الإسرائيلية (1968-1970) ببعيد عن يومنا، وكذلك الحرب العراقية- الإيرانية التي لم تتحوّل إلى حرب إستنزاف فحسب، بل سُمِّيَت في حينها بـ”الحرب المنسية”، وظلّت مستعرة لثمان سنوات عُجاف من دون توقّف، بينما ظلّ العالم بمجلس أمنه الدولي وجمعيته العامة متفرجاً على مجريات دماء الشباب المتحاربين من أجل تحقيق شعارات أطلقها زعماءالطرفين، بل ومستأنساً بعشرات الملايين من الدولارات التي تُغدَق في جيوب تجار الحروب المليارديرية وخزائنهم، ومن دون أن تُحرِّك ذرة وجدان وضمير لدى قادة العالم المتمدِّن لإيقاف ذلك الصراع الدموي.

وما نخشاه أن يتحول الصراع الروسي- الأوكرايني إلى حرب إستنزاف، إنْ لم تستطع “موسكو” أو “كييف” حسم هذه الحرب خلال أواخر صيف 2023 القادم.