يؤتي الله سبحانه وتعالى ابن آدم القوة ويصيبه بالضعف ،﴿لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً أَوْ ءَاوِىٓ إِلَىٰ رُكْنٍۢ شَدِيدٍۢ﴾ ويؤتي فريقا الحكمة ويبتلي آخر بالنزق:﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ ويعضد انسانا بقومه و آخر يحرمه ﴿وَإِنَّا لَنَرَىٰكَ فِينَا ضَعِيفًا ۖ وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَٰكَ ۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍۢ﴾ ويؤتي الله الحكم من يشاء ويسلبه ممن يريد ﴿تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ﴾ وكلها ابتلاءات وامتحانات واختبارات ليرى سبحانه مايفعل الانسان إن إغتنى ومايصنع إن افتقر ، و إن تمكن أو تأخر ، وهو العالم قبل ذلك سبحانه ، ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾
وكل هذا الامر بيد الله وتحت مشيئته وقدرته يسيره كيف يشاء ويقلبه متى يشاء ، وأفعالنا تحت مراقبته ﴿إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ والغافل فقط هو من يظن إن له من الأمر شيء وإن ماله هو ماله و إن قوته هي قوته و إن طغيانه إن طغى سيدوم ، أو ضعفه ان ضعف إنه لن يقوم، فلكل قوي سقوط ولكل ضعيف نهضة وان طال الأمد ولكل قوي من هو أقوى منه وتلك هي سنة التدافع ﴿﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ﴾
فمن الناس من ينسى ذلك فتأخذه قوته الى قهر الناس دون خوف من رقيب فتأتيه الضربة من الله بأن يدحره يوما من كان أضعف منه ، ومنهم من يسخر رهطه لترهيب الناس دون حساب فتأتيه الصدمة من الله بأن يغلبه الموتور ، ومنهم من يطيش بملكه ناسيا تقدير الله فتأتيه البطشة وهو سادر في غيّه ،
وكل أمر مما قدمت لو ترك لإنسان فرد وحده لما تجرأ ولا قدر ولا استطاع أن يفعله ، وانما يتقوى كل فرد ظالم او قوي او غني او حاكم بمن يعاونه وبحاشية تساعده وبأتباع تسانده أو بمستخدمين او بمستأجرين او بأقرباء طائعين ، فمن هنا برزت أهمية أن لاينصر الناس من كان ظالما منهم ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾ و ان لايساند الناس من كان مجرما منهم ﴿ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَىَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ﴾ وأن لا يداهن الناس الذين ظلموا منهم ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ﴾
فآفة من آفاتنا اليوم التكاتف على الباطل ومساندة الظالم او مجاملة المقصر او مداهنة المستحل لما حرم الله ، فقد اتخذ بعض من أوتي مالا أو منصبا او مهنة كان الغاية منها ان تخدم الناس وتحفظ ارواحهم واجسادهم فجعلها أداة لسلب اقواتهم ونهب اموالهم بطرق ملتوية يختلط فيها الحق بالباطل ، ولم يدع للناس المضافة بالمرض والفقر مهربا منه الى غيره إذ صنع مع كل من شابهه في صنعته او ماثله في حرفته او زامله في مهنته (فريقا) بمسمى قانوني لطيف ، فهذه منظمة وتلك نقابة و أخرى مؤسسة فتناصروا وتكالبوا على الناس فلما تشتكي المقصر منهم او تعترض عليه وانت المغلوب هجم عليك انصاره واشباهه ومن عاهده على الإثم والظلم والخطأ والتقصير ، ولا رادع لهم إذ اتخذوا من مهنتهم التي يحتاجها الناس قلعة يسكنون فيها ، و من ظلمهم وحبهم للمال مؤسسة يحتمون اليها، فامتصوا دماء الناس مندسين بين من يحفظ دماءهم ، وأكلوا لحوم الناس متنكرين بهيئة من يحفظ أجسادهم ،
فكان فعلهم أقبح من فعل المجرمين وأمرهم اخطر من أمر القاتلين وأثرهم اعمق من أثر الفاسدين ، فالتناصر على البغي اخطر الافعال ، و التكاتف على الظلم سيء المآل ، فما ذكر الله قوما أنساهم و لا أهل أرض أخزاهم ، ولا فريق أبادهم و أفناهم ، ألا وذكر انهم ﴿كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ﴾
لهذا ارشدنا جل في علاه و حذرنا اخطر تحذير فقال: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾. ﴿فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾ ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ﴾
والحمد لله رب العالمين