المجتمع يخلط المفاهيم ويشوهها ويمنحها ما يعزز تحريفها وتمريرها لتحقيق غاياتٍ تناهض جوهرها , وهذا ينطبق على العديد من المفردات والتعابير المحلية والمستوردة , أو المستنسخة على آلةٍ قديمة صدئه.
فالتعارض في سلوكنا يعني التعادي والعدوان , فمعارضي هو عدوّي الذي يريد إزالتي ومحقي , وليس رفيق مسيرتي للوصول إلى الهدف بأفضل السبل , وعندما يتحول المعارض إلى عدوّ تتقيد الحياة بالخسران وإستنزاف الطاقات وتبديد القدرات , وإتلاف الحاضر وإلغاء المستقبل.
وهذا الخلط يتجلى بقسوة في تفاعلات الواقع السياسي (إن صح ذلك , فلا وجود لسياسة في بلداننا) , وكلما تتابع نقاشا على شاشات التلفزة أو في وسائل الإعلام الأخرى , تتضح أمامك صورة التعادي والتغارض لا صورة التعارض والتفاعل المبني على الحجة والدليل , والقدرة على إبداء الرأي المعرفي العقلي العملي الصالح المقنع , وإنما يتسلط دوي الإنفعالات ومفردات الرعد والبرق والنيل من الآخر , حتى لتشعر بأنك أمام مشهد في حلبة مصارعة الثيران , أو أمام أكباش تتناطح وديكة تتقاتل.
تلك حقيقة مخزية وقاسية وأليمة تخيم على الواقع الخالي من الكلمة الصادقة والفكرة الراجحة , والإيمان بوحدة الهدف والمصير والتأريخ والإنتماء والوطن.
فما يدور في أروقة الويلات آليات التعادي والتغارض بما يرافقها من تقنيات دفاعية أولية بدائية ذات إرتباط بأمّارة السوء والبغضاء , كالتعميم والإسقاط والنكران والتبرير والشك والخوف والهلع من الآخر , وتحفيز قدرات الفتك والإلغاء , وغيرها الكثير من سلوكيات التمحن والإستنقاع والتوحل بالذات والموضوع , وعدم القدرة على الخروج منها إلى ضفاف الحرية والعمل الإيجابي البنّاء.
ولهذا فأن قدرات المجتمع مكبلة بقيود ثقيلة ومصفدة في غرف الأسر الدفاعية , فكل حالة تدافع عن وجودها ضد الحالة الأخرى , مما يمنع الحالتين من الخطو إلى الأمام , أو إنجاز أي مشروع أو هدف ذي قيمة وطنية وإقتصادية.
ولا يمكن للمجتمع أن يتطور ويتقدم إن لم يتحرر من هذه القيود المكلفة , التي تهدر وقته وطاقاته وثرواته وتدفع به إلى حضيض الويلات والتداعيات المريرة.
فلا بد من إعادة فهم المفردات والمفاهيم وتحقيق الآليات السلوكية اللازمة للوصول إلى الأهداف المشتركة الصالحة لأبناء المجتمع بعيدا عن أي إعتبار آخر , فالإنتماء يجب أن يكون للوطن والحاضر والمستقبل , وأن يتحقق الشعور بالمسؤولية الوطنية والإنسانية , وعلى الجميع أن يعي حقوق الأجيال في كل زمان , فالذي لا يحترم حقوق الأجيال يأخذ البلاد والعباد إلى أتون سقر.
فهل من تعارض بنّاء لا تغارض وجفاء؟!!
*التغارض: التزاحم أو التقاتل على الهدف و القصد.