الكراسي عموما يتوطنها الخوف والشك وعدم الإطمئنان , ولهذا فأن أي تظاهرة في البلاد تتسبب لها بذعر شديد , وتستحضر آليات الشك والظن بالسوء , وتدفعها للقول بأنها مؤامرة وأنها نوع من العدوان المدبر والمبرمج والممول.
وهذه نمطية سلوكية معروفة منذ عهد الجمهوريات وحتى اليوم , ولو راجعنا تأريخ الحكومات لتبين لنا أن السجون قد غصت بالمعارضين والمتظاهرين , والمئات بل الآلاف منهم تم رميهم بالرصاص أو إعدامهم وتعذيبهم.
ولهذا فأن التظاهر في عرفها إرهاب وإندساس وعمالة وخيانة وإستهتار وغير ذلك.
فالمطالبة بالحق ممنوعة , وعلى الناس أن تخنع وتخضع , وعلى العمائم أن تفتي بوجوب الإقتناع بحياة القطيع , والسجود عند أذناب الذئاب المشحونة بالشراهة والقساوة والتوحش والإفتراس المريع.
فهل وجدتم تظاهرة تحقق إستيعابها بصيغ حضارية , وتدارس لمطاليبها وبحث في الأسباب الحقيقية والمشاكل التي تسببت بها؟
هل وجدتم مظاهرة لم تؤخذ من قبل الكراسي على أنها عدوان وسلوك مغرض ضد نظام الحكم؟
لا يوجد في التأريخ المعاصر والقديم غير مواجهة أي تظاهرة أو تعبير عن حق بالقوة الشديدة والقتل الفظيع.
والحالة تتكرر , ولا الأنظمة تتعلم ولا الشعب يتفهم , وتمضي دائرة المآسي المفرغة في دورانها الأليم الذي يحقق تداعيات وويلات متفاقمة , وتراكمات قاسية لمشاكل لا تبحث الكراسي عن حلول لها , بل تستثمر فيها لتوليد المزيد من المشاكل القاهرات.
فالشعب يعاني , وأنظمة الحكم تتوحش , ويسقط النظام ويأتي نظام آخر وتتكرر المأساة , وتدور نواعير الويلات , وهكذا دواليك , منذ أول الثورات أو الإتقلابات الدامية التي دمرت الدستور , وعاشت تحت رحمة ما هو مؤقت ومعوق للتقدم والحياة الحرة الكريمة , فتردت أحوال الناس , وتفتت قدراتهم وصاروا محميات للقوى التي تطمح بإفتراسهم وتقديدهم إربا إربا.
فلماذا تتظاهرون , وبالكراسي والعمائم تُقهرون , وذات الوجوه تنتخبون؟!!