التظاهرات تفقد قيمتها وتأثيرها عندما لا تستمد الحكومات قوتها من الشعب , لأن الحكومات ستختلق المعاذير الكفيلة بتدميرها وإدانة المتظاهرين , ولديها أساليبها للنيل منها , بدس المرتزقة وتأليف القصص وإشاعة الخوف والرعب والتفجيرات والإغتيالات وتداعي الأمن , وغيرها من أساليب النيل من المتظاهرين وقمعهم بالحديد والنار , وعزلهم عن المحيط الخارجي.
وفي مجتمعات تكون حكوماتها عبارة عن واجهات لتنفيذ أجندات إقليمية وعالمية لا يمكن للمواطنين أن ينجزوا ما هو نافع بالتظاهر , لأن القوى ذات المصالح في إبقاء الحكومات وتعزيز قدراتها الإمتهانية للمواطنين ستتدخل وتمارس آلياتها القمعية والتدميرية للمظاهرات.
ولايمكن لمظاهرات في مثل هذه الأحوال أن تنجح من دون مؤازرة قوى عالمية ذات مصالح متجددة وغايات تستوجب تغيير مناهج الحكم وأساليب النظام , خصوصا عندما تكون المجتمعات منقوصة السيادة ومعتقلة في بلدانها الممسوكة من عنقها.
فالشعب يتظاهر بعفوية ووطنية وهو يواجه الكراسي المحمية من قبل ذوي المصالح والأجندات , وهؤلاء المتسلطون يعرفون أن بقاءهم في السلطة لا يقرره الشعب بل أسيادهم الذين وضعوهم فوق المنارة.
ولهذا فالمظاهرات ربما ستنقلب وبالا على المتظاهرين , وستتحول إلى ذريعة للنيل منهم وزيادة قهرهم وحرمانهم , لعفويتها وعدم إمتلاكها لقدرات قيادية ذات رؤية وطنية وتنظيمية وإستثمارية في الطاقات الإيجابية للمتظاهرين , مما سيدفع بالقوى المؤازرة للكراسي بتفتيت إرادة التظاهر وتمزيق لحمة الناس وتخويفهم من بعضهم , بل وتأزيم العلاقات فيما بينهم وإذكاء الصراعات الدامية , لكي يتلهى الناس ببعضهم ويتركون الحكومة على حالها , منفذة أمينة لأجندات أسيادها الإقليمين والعالميين.
فلا قيمة للناس تحت وصاية العمامة واللحية والفئة والعشيرة والمذهب والطائفة , لا قيمة لمن ينتخب جلاديه وقاهريه والمعززين لحرمانه من أبسط الحاجات الأساسية للحياة الحرة الكريمة.
لا قيمة لمن لا يحترم حياته ولا يغار على كرامته ويستلطف هوانه , ويرتضي العيش لعقدٍ ونصف بلا كهرباء وماء صالح للشرب , وتجد ناطق الحق فيه لوحده في الميدان , ولهذا تمكنت منه القوى الأخرى , وإستهترت بمصيره الحكومات , لأنها تجعل من إبن الشعب أداة للنيل من إبن الشعب , وتلك مصيبة مجتمعات وأوطان!!
فهل ستنفع التظاهرات في مجتمعاتٍ حكوماتها تستمد قوتها من الآخرين؟!!