18 ديسمبر، 2024 10:52 م

التظاهرات الشعبية بين الإستراتيجية الغربية والشعب والمرجعية الدينية ..!

التظاهرات الشعبية بين الإستراتيجية الغربية والشعب والمرجعية الدينية ..!

ليست المسألة كما يظنها غالبية المواطنين، سيما المشاركون في التظاهرات والمؤيدون لها، وما هو مشاع في الإعلام، فما يتحدث عنه أولئك؛ هو محاربة الفساد، والإطاحة بالمسؤولين الفاسدين ومحاسبتهم، وتقديم الخدمات، وإنعاش الوضع الاقتصادي للبلد، وهذه المطالب تمثل عماد ما يرجوه الشعب من حكومته، ومطالبهم تمثل أس القضية بالنسبة لهم.
قطعاً ليست تلك هي المسألة، وإن كان ما ذكر هو جزء يسير منها، وما خفي وراء ذلك أعظم وأجلّ! فالقضية متعلقة بالصراعات الدولية والإقليمية، بل إن أي فتنة ذات طابع سياسي تحدث في المنطقة، لا بد أن تكون لها علقة بتلك الصراعات الأوسع مدى، والأعمق تأثيراً، والأكثر إستراتيجية.
الراهن السياسي العراقي، لا ينفك عن الأحداث التأريخية التي مرت بها المنطقة، منذ الحرب العالمية الأولى، وسقوط الدولة العثمانية وحتى يومنا هذا، حيث إن اقتسام الإنكليز والفرنسيين لمناطق الهلال الخصيب، وفق اتفاقية سايكس بيكو، كان من اجل تحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا، والجهات التي وقفت حجر عثرة بوجه ذلك الإستعمار، كانت ذات صبغة إسلامية سياسية، كالسلطنة العثمانية، وقيادات ثورة العشرين في العراق, فمن جانب تعد تلك الصراعات, صراعات فرض قوى وتحقيق مصالح، ومن جانب آخر فإن سمتها الأخص من ذلك، هي الحرب على الإسلام السياسي في المنطقة.
في الداخل العراقي توالت الأحداث بعد الاحتلال الإنكليزي، بحكم الملكية وبرعاية الإنكليز، ومن ثم النظام الجمهوري برعاية السوفيت، وسيطرة البعث برعاية أمريكية، واندلاع حرب إقليمية بين العراق والجمهورية الإسلامية الفتية، وحتى احداث الكويت والحصار الاقتصادي، وانتهاءً بإسقاط نظام البعث عام 2003، وكل تلك الأحداث كانت نتاج صراعات دولية وإقليمية.
أحداث سبتمبر عام 2001 مثلت انعطافة في طبيعة الصراعات الدولية، أخذت تجذّر نظام القطب الواحد الذي استوت على عرشه الولايات المتحدة، منذ انهيار النظام الإشتراكي عام 1991 وحتى احداث برج التجارة العالمي، مروراً بأحداث الربيع العربي عام 2011، وكأن تلك الصراعات بنيت على وفق نسق من خطط عشرية!
الإستراتيجية التي انتهجها الغرب، في حربه ضد الإرهاب، سمتها الأساسية القضاء على الإسلام السياسي في الشرق الأوسط، والتي شرعت بدءً من طالبان أفغانستان، واخوان مصر وسورية، والقادم هو الإسلام السياسي في العراق وإيران والسعودية وتركيا، وما نريد ان نشير اليه، هو أن إقامة الغرب للنظام الديمقراطي في العراق، هدفه الأساس هو القضاء على الإسلام السياسي، وإقامة نظام ديمقراطي ليبرالي، وهذا عين ما يرقبه الغرب من نتائج التظاهرات الشعبية الأخيرة!
كما يجدر الإشارة الى أن دعم الغرب للجماعات الراديكالية، كالقاعدة ومؤخراً داعش، ليست أكثر من مجرد تكتيكات تستخدمها لتنجيز تلك الإستراتيجية، وحتى الإتفاقية النووية لمجموعة 5+1 مع الجانب الإيراني، فإن ما يلحظه الغرب من آثارها، لابد أن يصب في النهاية في جدول تلك الإستراتيجية، وأحسب أن ما سيجري من اتفاقات بشأن حل الأزمة السورية، سوف يفضي الى قص أحد أجنحة الهلال الشيعي، وسيكون منفذاً لإسقاط العملية السياسية في العراق وتهديد الجمهورية الإسلامية!
ان استقراءً دقيقاً لما جرى من أحداث سياسية في الداخل العراقي، منذ عام 2003 وحتى يومنا هذا، فإنه يشي بدور محوري للمخططات الغربية، حيث أن تسليم زمام العراق للسياسيين الشيعة، مع تأزيم الداخل العراقي بموجات إرهابية متعاقبة، وإنسحاب جيوش التحالف الغربي من العراق بتلك السهولة التي رأيناها، وأغراء السياسيين بالمناصب والأموال المهولة، وخلق طبقة سياسية شيعية تتعالى في مستواها الاجتماعي والمعيشي عن طبقة الشعب الذي انتخبها! مما أحدث ارباكا في وجدان القواعد الشعبية، أدى الى الإخلال فيما تؤمن به من منظومة القيم والمفاهيم الديمقراطية والإسلامية على حد سواء.
من جانب آخر فإن المرجعية الدينية، تسعى للحفاظ على المنظومة السياسية، والتي هي ثمرة جهود مضنية قامت بها المرجعية طوال العقد المنصرم، إذاً لا بد ان تفسر توجيهات المرجعية الدينية الإصلاحيةً، على إنها تهدف الى ممانعة المخططات الغربية المسيسة، واستثمار التظاهرات الشعبية من أجل تقويم العملية السياسية، لذلك نجد ان خطاب المرجعية الدينية من جهة كان موجهاً الى رئيس مجلس الوزراء، ويستشف منه ان العملية السياسية خط أحمر، ومن جهة أخرى لم تتطرق المرجعية الى التظاهرات الشعبية!
خلاصة ما نريد قوله؛ أن ثمة استراتيجية غربية للإطاحة بالعملية السياسية في العراق، والمستهدف الأبرز هي المنظومة السياسية الشيعية، وكذلك المرجعية الدينية والتي بعد فتوى الجهاد الكفائي خرجت مضطرة عن صمتها، وكشفت عن حجم الحياة في جسد الحوزة العلمية، وخلعت عنها لباس التقية، حتى عُدّت في جانب الإسلام السياسي!
 إذن فالتظاهرات الشعبية ينبغي ألا تكون موجهة نحو الأحزاب والكتل السياسية الإسلامية، بقدر ما تكون موضوعية وموجهة نحو الفاسدين منهم ومن غيرهم، وان تكون حركتهم إصلاحية لا سياسية! وأن يكون المتظاهرين بقدر من الوعي تجاه المخططات الغربية، التي تضمر سوءً لدينهم ووطنهم وحياتهم ومقدراتهم.