* في كل عام نشهد في شهري محرم الحرام وصفر وفي ايام عاشوراء الحسين (عليه السلام) على وجه التحديد ؛ موجات وحملات من تطرف غير طبيعي وتعصب مذموم لثلاث أصناف من المجتمع ، وتشترك جميعها من حيث لا تعلم في محاولة التشويش والتشويه لإحياء ايام الثورة الحسينية المباركة ، مع الأخذ بالاعتبار إختلاف النوايا والدوافع لهذه الأصناف والطبقات ، والتي تنطلق تارة بدافع عقائدي، وتارة أخرى بدافع لا ديني ، وأخيراً لأسباب طائفية ..
* الصنف الأول هم بعض فئات (المتدينين) التي لم يفهم من الإسلام وثورة الحسين (عليه السلام) سوى بعض الطقوس المبتدعة الخالية من العِبرة والعَبرة ، والتي لا تمت بصلة إلى الشعائر التي أحياها أهل البيت (عليهم السلام) ؛ وإنما ابتدعت في عصور متأخرة ، وتم استيرادها ونشرها في الوسط الشيعي لمحاولة تحويل مراسيم أحياء القضية الحسينية خالية من المضامين العليا لأهداف تلك الحركة الإصلاحية للفرد والمجتمع ، وتفريغ الشحنات الروحية الإيجابية التي تنتجها تلك الشعائر ، في طقوس خالية من البناء المرتجى لشخصية الفرد والمجتمع ، والتي من المفروض استلهامها من أجواء الاحتفاء بالنهضة الحسينية ، ويرى هؤلاء المتطرفين شعائريا أن كل من يحاول نقد وتهذيب طقوسهم المبتدعة هو من أعداء الإمام الحسين (ع) والمذهب ، وأنه يسعى لتهديم معالم الدين والشريعة ، ويرفضون اي محاولة لإصلاح تلك الظواهر السلبية الدخيلة ، ويتهمون المراجع والعلماء الذين يبادرون بشجاعة للإشارة إلى مواطن الخلل في الشعائر ، والدعوة للحفاظ على نقائها باشنع وابشع التهم والاوصاف لمجرد دعواهم الإصلاحية الشعائر وتنقيتها وتهذيبها ..
* الصنف الثاني من المتعصبين في موسم العزاء الحسيني هم غير المتدينين من (العلمانيين واشباههم) ، وهؤلاء يشنون في أيام عاشوراء والأربعين حملات إعلامية للطعن والتشكيك في الشعائر الحسينية عموما ، ويستغلون الشعائر المبتدعة في حملاتهم التضليلية ، ويغضون النظر عن الشعائر الثقافية والإنسانية الكثيرة التي تتميز بها الشعائر الحسينية لغايات وأهداف خبيثة..
ورغم عدم إيمان هؤلاء بدور وقيمومة الدين الإسلامي على الحياة عموما ، ومحاولة الإيحاء بأن الدين أفيون للشعوب لكنهم يحشرون أنفسهم ويمرغون أنوفهم في قضايا الدين وشعائره لأغراض تستهدف نسف عقائد الدين ، من خلال بعض الثغرات التي يقوم بها نتيجة الفهم الخاطئ للدين والشعائر..
* الصنف الثالث هم أعداء الشيعة من (السنة المتشددين) كالوهابيين والسلفيين وغيرهم من الطوائف التكفيرية ؛ والذين لا يكتفون بتكفير الشيعة وشعائرهم فقط ، وإنما يبالغون في عدائهم إلى درجة الإفراط في إقامة مظاهر الأفراح والرقص والغربدة في ايام محرم وخصوصا يوم عاشوراء ، ويتكئ هؤلاء لتبرير أفعالهم على تقليد لاسلافهم الأمويين الذين قاموا من خلال ماكينة وعاظهم المارقين للدعوة لإقامة الأعياد وإظهار الزينة في يوم مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) في نهار عاشوراء ، وجعلوا أسبابا مختلقة لذلك كالاحتفال بيوم نجاة النبي موسى (ع) وبني إسرائيل من قبضة فرعون ونحوها من الادعاءات الكاذبة .
هذه الأصناف الثلاثة من المتطرفين ؛ مع تفاوت مستويات التطرف لديها وتنوع مبرراته الا انهم يشكلون نماذج للتطرف بأشكاله المختلفة ، والتي تؤكد على حقيقة أن التطرف لا يقتصر على فئة إنسانية دون أخرى ، وأنه مرض يحتاج إلى علاج للنفس الانسانية وتنقيتها من شوائب ورواسب الجهل والحقد الكامنة في العقول والقلوب ..
وتبقى عاشوراء ومصلحها العظيم الإمام الحسين (عليه السلام) أكبر من كل محاولات المتعصبين والمتطرفين المتدينين و العلمانيين وغيرهم من الفئات التي سعت طوال التاريخ إلى محاولة التشويش والتشويه على المعاني العالية السامية للنهضة الحسينية المباركة التي استهدفت استنقاذ الإنسان من الظلم والعدوان الذي يتعرض من قبل السلاطين والمستكبرين على مدار الأزمان والأحقاب ..