18 ديسمبر، 2024 11:17 م

التطبيع.. عرب للبيع

التطبيع.. عرب للبيع

يبدو أننا سنجبر على تقديم اعتذار رسمي للفنانة اللبنانية جوليا بطرس فاغنيتها المشهورة “وين الملايين” التي تحشد فيها العرب للوقوف بوجه “الكيان الصهيوني” المغتصب للارض، لم تعد صالحة للاستخدام بعد تخلي العديد من الدول العربية عن هويتها واعلانها الرضوخ للصهاينة، بعنوان يتحدث عن تحقيق “سلام مزيف”، لكنه بالحقيقة تنازل لصالح المغتصب عن ارض عربية جديدة لانجاح مشروع صفقة القرن كما حصل في الاعلان الرسمي للامارات عن التطبيع مع اسرائيل برعاية امريكية ومباركة من دول خليجية.

لكن الامارات وحكامها كعادتهم في ايجاد المبررات حاولوا تجميل فعلتهم بانها تخدم الشعب الفلسطيني من خلال ايقاف ضم الاراضي الفلسطينية لاسرائيل، في “كذبة” لم تستمر لساعات عدة حتى خرج السفير الامريكي في تل ابيب ليعلن بان “قرار ايقاف ضم اراضي الضفة الغربية مؤقت”، ليشاركه بالموقف بعدها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي اخبرنا بان “خطته بفرض السيادة على “يهودا والسامرة” (الضفة الغربية) لم تتغير ولا تزال مطروحة على الطاولة بتنسيق كامل مع الادارة الامريكية”، ليكون دليلاً لا يقبل الشك بان ماحصل لا يتعلق بالدفاع عن الفلسطينين وارضهم، وليس له علاقة بالسلام، فماذا فعلت الامارات للكيان الصهيوني حتى تعلن “السلام” معه، هل دخلت بحرب استنزاف طويلة استمرت لسنوات عدة ؟، هل كانت تشكل خطرا على الاطماع الصهيونية في الاراضي العربية ابدا، لكنها ببساطة حلقة من سلسلة صفقة القرن لايجاد صفة وجود رسمي لاسرائيل في قلب الخليج العربي.

إن مشكلتنا لا تتعلق بشعارات كنا نسمعها عن عروبة فلسطين وهتافات لتحرير الارض العربية، التي باعها حكامها، انما عن “مرض خبيث” يتم زراعته في منظومة القيم والمبادئ التي تربينا عليها برفض المحتل، عن “ورم سرطاني” يصعب استئصاله في حال انتشاره بجسد بلادنا، فكيف نثق بصفقة “مشبوهة” عرابها محمد دحلان الذي طردته حركة فتح الفلسطينية من صفوف قياداتها بسبب تعاونه مع “الموساد” الاسرائيلي، ليجد ظالته في الامارات حتى اصبح بين ليلة وضحاها مستشارا لولي عهد ابو ظبي محمد بن زايد، فهل يعقل بان يكون من خان بلده وارتضى بالعمالة للمحتل “حمامة سلام”، في حين يعمد المؤيدون للتطبيع على اختلاق الحجج لتبرير مافعلته الامارات “نكاية” بايران فهؤلاء يروجون لفكرة الوجود الاسرائيلي و سفارتها كنفوذ يوفر الحماية من الوجود التاريخي لايران كجارة خليجية لا يمكن الغائها.

قد يتهمنا الكثير من القراء بالتشاؤم غير المبرر من الاتفاق بين الكيان الصهيوني والامارات، بسبب وجود اتفاقات سابقة مع دولتين عربيتين، اولها مصر في العام 1979، بعد سنة على توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين رئيس الوزراء الاسرائيلي مناحيم بيغن والرئيس المصري في حينها انور السادات، وثانيها مع الاردن بتوقيع اتفاقية وادي عربة خلال العام 1994، وكانت من ضمن شروطهما ايقاف مصادرة الاراضي الفلسطينية، لكنها لم تتحقق واستمرت جرافات الكيان المحتل باغتصاب الاراضي، على الرغم من ضمانات واشنطن التي كانت راعية للاتفاقيتين ايضا، وهذا ما يفسر اسباب “التشاؤم” التي تؤكد بان هدف اسرائيل اكبر من تبادل السلام، انما “كسب” عملاء جدد يساندونها في محاربة من يعرقل مشاريعها التوسعية لتحقيق دولتهم المزعومة من النيل الى الفرات.

الخلاصة:. ان التأييد من بعض دول الخليج وبمقدمتها البحرين للتطبيع الاماراتي الاسرائيلي واستعدادها للدخول ضمن الاتفاق مع اسرائيل، لن يلغي حقيقة “الكيان المغتصب” حتى لو اصبحت جميع الدول حليفة له، لكن القضية في العراق قد تختلف كثيرا على الرغم من وجود الاصوات المرحبة بالتطبيع والعلاقة “المشبوهة” مع اقليم كردستان، لكن العراق الدولة العربية الوحيدة الذي رفضت توقيع اتفاق وقف اطلاق النار مع اسرائيل بعد حرب تشرين في العام 1973، وهذا الموقف لن تغيره دعوات “الواهمين” الذين يعتقدون بان اسرائيل ممكن ان تنصح العرب “لسواد عيونهم”، لهذا فان الاعتذار من جوليا بطرس اصبح واقع حال، فالملايين التي كانت تهتف “وين وين” اصبحت تروج للتطبيع.. اخيرا.. السؤال الذي لابد منه.. هل سيدفع بن زايد رأسه ثمنا للتطبيع، كما دفع انور السادات رأسه مقابل كامب ديفيد؟..