17 نوفمبر، 2024 11:29 م
Search
Close this search box.

التطبيع أفضل من التقبيل

التطبيع أفضل من التقبيل

دون تريث أو أي تفكير يرفض المواطن العربي ، بل تثور ثائرته لمجرد فكرة التطبيع مع اسرائيل . في هذه السطور أحاول الخوض في هذا الموضوع شديد الحساسية من جانب عملي (براغماتي ) بحت ، دون عواطف.

أسباب رفضنا لذلك التطبيع هو ترسبات الماضي في عقلنا الباطن كعرب من خلال أربعة حروب مع إسرائيل على إمتداد إكثر من 6 عقود وآخرها كان قبل ما يقرب أربعين عاما .
المسلمون والعرب خاضوا حروباً ضروس ضد بعضهم البعض ، هي بمجملها أشرس وأطول من كل تلك الحروب الخاطفة والقصيرة مع إسرائيل  التي لم يخسروا فيها الا قليلا من الأرواح إذا ما قورنت بحروب المسلمين فيما  بينهم . فخاض أخوة الدين الواحد في العراق وإيران حرباً مدمرة دامت ثمان سنوات وجاوز عدد ضحاياها مليون مسلم ، ناهيك عن المعاقين والمشردين والأسرى . انطفات نار الحرب العراقية الايرانية ليشرع العراق بغزو الكويت ، الدولة الصغيرة ، حيث قتلوا وجرحوا واسروا واغتصبوا مئات من شعبها المسالم قليل العدد هزيل العديد، وها هم رجعوا أخوانا وأحباب، ان كان مع ايران او مع الكويت .
حرب أمريكا مع فيتنام مثال آخر ، فهي حرب من أعقد وأطول  الحروب وأكثرها دموية في حروب العصر ، وهاهما اليوم دولتان صديقتان تعملان معا لأجل رفاهية شعبيهما . الحروب اذن لا تشكل عائقاً حقيقياً أمام إقامة علاقات طيبة بين الدول . 
مشكلة الشرق الأوسط تاريخية
أما المشكلة مع إسرائيل فهي مشكلة تاريخية حول ملكية أرض يدور حولها خلاف تاريخي قديم جداً بين إسرائيل وبين فلسطين . ولهذا السبب هاجرالبعض من سكان تلك الأرض ، فيما باع آخرون أرضهم وهاجروا، وغيرهم قرروا البقاء في ظل الدولة العبرية .
فإذا ما قارنا بين من هاجروا وبين من قرروا البقاء في  مساكنهم وأرضهم فالنتائج ستكون كارثية ، فالذين هاجروا الى قلب العروبة النابض من باقي الدول العربية فعدم الخوض بما آلت اليه أحوالهم أحفظ لكرامتهم !
ولكن كما ذكرنا في السابق ونذكره الآن ايضا، الخير هو ان ننكأ الجرح المتخزن بالقيح ، فهذا أسلم من تركه متورما متقيحا وإن كانت عملية فتحه مؤلمةً .
كل واحدة من الدول المضيفة انتقمت من الفلسطينيين اللاجئين واستغلتهم بطريقتها الخاصة . لنبدأ بالأردن ، وهي أقرب دولة لهم ، بل أن شعبها هو امتداد طبيعي لشعب فلسطين وكان سابقاً جزءا منه .
شنت الاردن عليهم حربا شعواء شاملة بعد ثلاث سنوات من لجوئهم عند اخوانهم العرب ! سميت فيما بعد بحرب أيلول الأسود ، وكانت حربا بكل مقاييس الحروب من قصف بالمدفعية والطيران والسلاح الخفيف والسلاح الأبيض الخ..وخلّفت آلافا غير معدودة من القتلى والجرحى والمعاقين والمشردين .
واليوم وبعد مضي  اثنين وأربعين عاماً على تلك الحرب ، ما برح اللاجئون الفلسطينيون محرومين من خدمات الصحة والتعليم ، ناهيك عن معاناتهم من التمييز والضغط النفسي ،  وانعدام ألحريات وابسط حقوق الانسان .
وما من شك ان افعال فصائل القيادات الفلسطينية الاستفزازية والاجرامية كانت تشكل احدى أهم أسباب تلك الحرب .
مثال آخر هو الفلسطينيون في مخيمات لبنان ، وما أدراك ما مخيمات لبنان !
يمكن وصفها دون تردد بأنها جبهة قتال مفتوحة الى الأبد ، وتحتاج وحدها الى مؤلفات كبيرة كي نغطي جزءا من تلك المعاناة الانسانية ، حيث البؤس و نظرة الاحتقار لهم من قِبَل اللبنانيين ، و كان للفصائل الفلسطينية (المتنازعة لاجل الاموال والجاه والسلطة والتدخل  في الشأن اللبناني وبدعم من صدام ونظيره في البعث حافظ الاسد وديكتاتور ليبيا السابق القذافي) دور كبير في تأجيج كره الشعوب المضيفة لللاجئين  الفلسطينيين .
ابشع استغلال للفلسطينيين وقضيتهم تجسد في العراق وفي سوريا ، تلك الحكومتان المتبنيتان لفكر البعث القومي ، حيث اوقعوا بين جميع الفصائل . ولاينسى المرء ما  فعلته الفصائل الفلسطينية في الكويت إبان غزو صدام لها ، حيث اصطفت تلك الفصائل الى  جانب المعتدي الغاشم ضد أبناء الكويت الذين أحسنوا ضيافة  الفلسطنيين وأكرموهم .
أمراء الحرب، قادة الفصائل
 أمضت تلك الفصائل المُشَكَلة من أمراء الحرب  حياتها في الشتات تتنقل ما بين الأردن الذي طردالفصائل بحرب ليهاجروا بعدها الى لبنان وليُطردوا منه كذلك بحروب ، هاجروا بعدها الى تونس رافعين علامات النصر !
هذا علاوة على وجودهم في العراق وسوريا وليبيا وغيرها من الدول العربية.   اينما حلت الفصائل تقف دائما الى جانب الجلادين في إضطهادهم لشعوبهم ، وهو موقف جعل الشعوب العربية تنأى عنهم. 
في هذه العجالة وتحاشياً للأطالة، نكتفي بوصف حال من خرج من الفلسطينيين لننتقل الى اقرانهم الذين بقوا تحت “سياط الاحتلال الصهيوني  الوحشي ” كما يصفونه، لنرى أن أغلب فلسطينيي الخط الأخضر أو عرب إسرائيل يتصرفون بطريقة  مختلفة عن أي من أقرانهم من فلسطينيي الشتات ، فهم حصلوا على ثقافة مختلفة وأسلوب أكثر تحضرا ، فتراهم شجعان لا خوف لديهم ، اقوياء الشخصية، ينتقدون حكومات اسرائيل بطريقة لا حرج فيها ولا تزلف ولا خوف من مسؤول أو مقرب من السلطة أو رجل أمن .
فلسطينيو الداخل
كبر هؤلاء (عرب الداخل)  وترعرعوا على مبادئ حقوق الإنسان والحريات الشخصية والدينية وعلى سلطة القانون التي لا تعلو فوقها سلطة .
فهموا معنى الشفافية والإنتخابات الحقيقية وتمتعوا بالضمان الإجتماعي والصحي وغير ذلك مما لم يعتده غيرهم من العرب ، ناهيك عن فرص العمل المتاحة لهم والطب المجاني والدواء والتعليم وغيرها ، هذا علاوة على استيزار بعض من سياسيهم وحقهم في الترشح  للانتخابات وإشغال عدد منهم لمقاعد نيابية وتمتعهم بحصانة نيابية . 
أما من ناحية البضائع الإسرائيلية فهي تُغرق الأسواق العربية والإسلامية ولكن بصورة غير مباشرة ، أي يكتب على تلك البضائع مصنوعة في الهند أو الفلبين أو أي دولة اخرى بواسطة طرق كثيرة هم يعرفونها ، وكل ذلك يكون بفارق من السعر يتحمله المواطن العربي ، فالوسطاء غالباً ما يكونون فلسطينيين او اردنيين او مصريين ، مستغلين الاتفاقيات التجارية الموقعة بينهم وبين اسرائيل .
العداء الظاهر يخفي ودا مضمرا
هذا من جانب، ومن جانب آخر ، فإن أغلب المسؤولين العرب والمسلمين عندما يلتقون بنظرائهم الإسرائيليين في المؤتمرات العالمية ، غالباً ما يعانقونهم طابعين القبل على الخدود !
هذا ما نسمعه بين الحين والآخر في الأخبار ، على سبيل المثال ما شاع عن مصافحة الرئيس الإيراني السابق خاتمي لنظيره الإسرائيلي الأسبق كاتساف ، وكذلك ما جرى من ود بين أياد علاوي وبين سلفان شالوم .
لماذا كل هذا النفاق ؟ طبّعوا يا مسؤولين وريحونا بدل تلك الزيارات السرية للمسؤولين العرب والعراقيين للقدس من أجل الثواب !
ويشكل مثال الآلوسي النائب في البرلمان العراقي استثناء من ظاهرة النفاق ،حيث ذهب إلى تل ابيب بكل شجاعة ، رغم أنه كان بأمكانه أن يخفي الزيارة كغيره ، ولكن شجاعته ومصداقيته واحترامه للشعب العراقي منعته من الغش .
فلو طبع العراق مثلاً علاقاته مع إسرائيل ، فسيستفيد الشعب  من تدفق البضائع الإسرائيلية ذات الجودة العالية وسنستغني عندها عن الوسيط العربي ، وكذلك سنستفيد من خبراتهم في البناء المتطور والصحة المتقدمة حتى على اوروبا ، والأهم من ذلك سنفيد من خبراتهم في بالغة التقدم المجال الامني تستفيد منها دول أوروبا وأمريكا والهند والصين  وروسيا ، وهو مجال حيوي نحن بأمسّ الحاجة اليه .
فهل يا ترى نطبّع ، أم نبقى على إصرارنا على الموت ولا وهم عار التطيبع ؟ 

أحدث المقالات