18 ديسمبر، 2024 9:49 م

التصريحات وحدها لاتكفي

التصريحات وحدها لاتكفي

في عودة بذاكرتنا ردحا من الزمن، تثب أمام مخيلتنا وسائل الإعلام المرئية التي كانت متاحة أمامنا في زمن النظام السابق، ولاسيما الذين وعوا على سني السبعينيات والثمانينيات، إذ لم يكن يقدم التلفزيون العراقي غير قناة 9.. ثم أتت قناة 7 برحمة ولطف من لدن النظام آنذاك، وكلنا يتذكر التعتيم الإعلامي الذي كان سياسة هاتين القناتين ونهجهما المتبع، وتخصيص الخبر والمعلومة والتحقيق والتقرير وحصرها لتصب ريعها في زاوية البعث والنظام الـ (سادي).
اليوم، وبحمد الله أولا، والأقمار الصناعية ثانيا، والنظام الـ (سائد) حاليا، لدينا من وسائل الإعلام المرئية مالا يمكننا متابعته في ليلة وضحاها، ولا في سنة وعقباها، وصارت الأخبار تأتينا من كل فج عميق، وأنى ولينا وجوهنا فثمة خبر (حار ومكسب ورخيص وعاجل) في تلفاز أو مذياع أو حاسوب، وكذلك في هواتفنا النقالة، وكل هذه الوسائل من المفترض أن تكون رحمة لانقمة، إذ هي تنقل الخبر من وجوهه كافة، ليتسنى لكل فرد منا الحكم بما يراه صحيحا، وفق ما ينتمي اليه من معتقد وفكر وقناعة وجماعة يثق بما تبثه من أخبار.
وهكذا، تزدحم الساحة العراقية بكم هائل من الأخبار والأحداث التي تمطرها علينا تلك الوسائل على الأصعدة كافة، وأغلبها غير سارة للمواطن البسيط، وغير مفرحة لمن يحب العراق، ويريد العيش فيه بسلام ووئام تامين. مقابل هذا هي بشائر سارة لمن يريد للعراق التأخر والتقهقر، والبقاء في خانة الدول التي تفوز دائما بالمرتبة الأولى في الفساد والجريمة وانعدام حقوق الانسان، وتفشي الفقر والجهل والأمية والمرض، وهجرة العقول والصراع بين القوميات والأطياف، فضلا عن الدم والقتل والدمار الذي يطال الأزقة والمحلات والأسواق وبيوت الله والمدراس، وباقي المرافئ التي تؤوي المواطنين الأبرياء. وهذا كله أمر محسوب حسابه بشكل دقيق من قبل جهات من المؤسف أنها تتربع على أعلى مناصب في البلد، وبيدها دفة القيادة بشكل أو بآخر.
ويأتي في صدارة الكم الهائل من الأخبار، الوضع الأمني، الذي عادة ماتتصدر أخباره وتقاريره الصفحات الأولى من الصحف اليومية بالمانشيت العريض والطويل، ولاتخلو فضائية من سبتايتلات متصلة تسرد العواجل من الكوارث التي تحدث في الشارع العراقي، بانفجار او اغتيال او خطف او اقتحام. ومن المؤكد أن هم المواطن ومبتلاه يقع أولا وآخرا في الجانب الأمني من حياته، وهو من أبسط حقوقه وعلى الدولة والحكومة توفيره له.
وسواء إن رضيت الحكومة والدولة أم أبتا! فإن الأحداث التي عاشها العراقيون، وعلى وجه التحديد الأحداث الأمنية كانهيار الموصل وماتبعه من تداعيات، خلق هوة سحيقة بينهما -مضافا اليهما المنظومة الأمنية والعسكرية مجتمعين- من جهة.. وبين المواطن من جهة أخرى، ومع انقضاء السنوات الثلاث العجاف التي كانت فيها الموصل تئن تحت وطأة الاجتياح البربري، إلا أنه ليس من السهل ردم هذه الهوة من خلال تصريحات أو خطابات او تطمينات سئم المواطن سماعها، بعد أن نفد صبره من الانتكاسات المتلاحقة التي منيت بها الحكومات المتعاقبة على حكمه والمتسلطة على قراره وحاضره ومستقبله، ومن غير المعقول أن ينسى المواطن الخروقات التي تكررت خلال السنوات الماضية، وعلى وجه التحديد بعد خروج القوات الأمريكية من العراق، بما لايدع مجالا للمواطن بمنح قياداته الثقة المطلقة، وهذا أمر لاأظنه اتهاما لها بقدر ماهو شكوى وعتب عليها، وإذا كانت هناك نية صادقة خالصة بإعادة تلك الثقة، فعلى القيادة -بشخوصها كافة- الإخلاص والصدق بدءا بالتصريحات والأقوال، على أن ترتقي بعدها الى الصدق والإخلاص بالأفعال، مايفضي بالنتيجة الى حسن النتائج، وتبييض صورة كانت قد تشوهت في نظر المواطن، فعسى عام 2018 يأتيه ببشائر كان قد افتقدها عقودا من عمره.